لكتاب الله، وقد ثبت في الصّحيحين أن النّبي صلّى الله عليه وسلم أصبح صائما، فلما رجع إلى البيت وجد حبسا فأكل منه، قالت الفقهاء إذا تلبس بالنفل من صوم أو صلاة أو غيرها فعنّ له أن يفطر فله ذلك وعليه القضاء، وإيجاب القضاء، وإيجاب القضاء لا يخالف الحديث قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ٢٤» حكم هذه الآية عام ولو أنها نزلت في أبي جهل وأضرابه أهل القليب في بدر حينما جاء ذكرهم بأن لهم أعمالا كإطعام الطّعام وصلة الأرحام وغيرها مما يفعله الجاهلية عادة لأن ما قدموه من خير وهم على كفرهم كافأهم الله عليه في الدّنيا ولم يبق لهم برّ ما يلاقون به وجه الله، وأين هؤلاء من لقائه، لأنهم يساقون إلى النّار على وجوههم «فَلا تَهِنُوا» أيها المؤمنون ولا تضعفوا إذا تخلف عنكم المنافقون أو ناوءوكم ليلجئوكم إلى الكف عن أعدائكم «وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ» الصلح. منع الله المؤمنين في هذه الآية أن يطلبوا الصّلح من الكفار لئلا تلحقهم الذلة، وخاطبهم بقوله «وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ» عليهم «وَاللَّهُ مَعَكُمْ» بالنصر والغلبة والمعونة «وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ ٣٥» لا ينقصها بل يوفّها لكم. هذا وقد أمر الله تعالى في الآية ٦٢ من الأنفال بإجابة طلب الصلح من قبل الأعداء فراجعها لتقف على الفرق بين الطّلبين، وأن ما يفعله الأجانب من طلب الصّلح وهم غالبون ليس هو طلب صلح بمعناه الحقيقي، لأن الغالب لا يطلبه من المغلوب، وإنما هو عبارة عن تكليفهم بالإذعان لشروط شاقة يفرضها الغالب على المغلوب حين اشتداد البأس وإيناس الضّعف منه ليقبلها قسرا عنه وهو راغم أنفه، فلو كان صلحا بمعناه الحقيقي لما كان منهم طلبه عند الضّيق وبلوغ القلوب الحناجر، وإنما هو أشد وقعا من الحرب فيقبلونه وهم كارهون لئلا يقضى عليهم بالاستئصال، أما الصّلح زمن السّلم فلا يكون إلّا عن رضى وطيب نفس، لأن العاقبة مجهولة لدى الفريقين، لذلك فإن كلا منهم يرى الصّلح خيرا بحقه وهذا هو الفرق بين صلح السّلم وصلح الحرب. ثم زهّدهم الله تعالى في الدّنيا بقوله «إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ» فلا تغتروا بها «وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا» فتعضدوا إيمانكم وتقووه بالتقوى «يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ» ربكم كاملة