يوم القيامة «وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ٣٦» لقاء ما يعطيكم من الثواب بل يمنحكم أياما عفوا منه، لأنه تعالى يعلم بأنه «إِنْ يَسْئَلْكُمُوها» بمقابلة ثوابه «فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا» بإعطائها والاجفاء المبالغة في كلّ شيء ومنه إحفاء الشّارب أي المبالغة في قصة وأحفى في المسألة إذا ألح فيها جهده، أي إذا استقصى عليكم بها أجهدكم بطلبها كلها، فلا بد أن تبخلوا، ولهذا جعل زكاة المال ربع عشره كي لا يبخل النّاس بها على فقراء الله فلا يعطوهم شيئا منها «وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ ٣٧» ويظهر عداوتكم وبعضكم للانفاق لشدة محبتكم للمال المفروزة في قلوبهم عند الامتناع من الانفاق والله تعالى لا يريد ذلك منكم ولهذا خفف عليكم القدر الواجب لإنفاقه من أموالكم «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ» أيها المخاطبون الموصوفون «تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» شطرا قليلا من أموالكم في وجوه البر والخير طلبا لمرضاته «فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ» فلا تسمح نفسه بانفاق شيء مما أنعم الله عليه به «وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ» فيكون
وباله عليها، أي من يمسك ماله فلم ينفنه في طرقه المشروعة، ولهذا عدّي الفعل بعن، ولا شك أن البخل خطة ذميمة موجبة للخزي والعار بالدنيا والعذاب والنّار في الآخرة، حتى أن العقلاء حذروا مخالطة البخيل ومشورته، فقالوا لا تدخلن في مشورتك بخيلا فإنه يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر. - راجع الآية ٢٦٥ من البقرة المارة قالوا ولا جبانا فإنه يضعفك عن الإقدام، ولا حريصا فإنه يزين لك الشّره فالبخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظّن بالله، أجارنا الله منها «وَاللَّهُ الْغَنِيُّ» عنا وعن صدقاتنا، وإنما أمرنا بالإنفاق لما فيه من النّفع لنا في الدّنيا والآخرة «وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ» المحتاجون إلى ربكم أيها النّاس في كلّ أحوالكم، فإن فعلتم ما أمركم به نجوتم وكان خيرا لكم «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا» وتعرضوا عن الإنفاق بالكلية وعن طاعة الله ورسوله، فلا تفعلوا ما يأمركم به ولا تجتنبوا ما ينهاكم عنه «يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ» يطيعونه ويأتمرون بأمره وينتهون عما ينهاهم عنه «ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ ٢٨» بالبخل وغيره من عدم الامتثال في أمر الجهاد ومخالفة الرّسول فيها يأمركم وينهاكم. أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال