قلوبهم؟ وأم هنا بمعنى بل، والهمزة للتقرير، وهو إعلام بأن قلوبهم مسكرة لا يصل إليها ذكر الله، وتنكير القلوب للدلالة على أنها قاسية لا تتأثر بالوعظ والزجر والمراد بها قلوب المنافقين، لأنها على هذه الصّفة. وتقدم في الآية ٨٢ من النّساء ما يتعلق بهذا البحث فراجعه. وقيل في القفل لغزا:
وأسود عار أنحل البرد جسمه ... وما زال من أوصافه الحرص والمنع
وأعجب شيء كونه الدّهر حارسا ... وليس له عين وليس له سمع
قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ» القهقرى ورجعوا كفارا «مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى» وأصروا على ارتدادهم كان «الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ» بوساوسه حتى زين لهم القبيح ورأوا السّيء حسنا «وَأَمْلى لَهُمْ»(٢٥) بامتداد الأمل وفسحة الأجل، ورغبهم في التمتع بالدنيا وحب الرّئاسة كما يفعل بعض الجهال الآن، ويقولون سوف نتوب، وما يحسون إلّا وقد باغتهم الموت فيتدمون ولات حين مندم. وقرىء وأملي بضم الهمزة وكسر اللام وفتح الياء أي أمهلوا في العمر، ولا شك أن المملي هو الله تعالى، وإنما أسند إلى الشّيطان لمباشرته له فعلا، وإلّا فإن الله قادر على منعه، وهو الذي قدره على ذلك التسويل والإملاء واراده، وإلّا فإن كيد الشّيطان ضعيف لا يستطيع على شيء إلا بتقدير الله إياه كما تقدم غير مرة «ذلِكَ» الإملاء والتسويل «بِأَنَّهُمْ» أهل الكتاب والمنافقين «قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ» وهم المشركون «سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» ونتعاون معكم على عداء محمد وأصحابه فلا نجاهد معهم ونقعد عن سراياهم ولا نكثر سوادهم، وهذه كلها من الأحوال التي يذكرها المنافقون فيما بينهم سرا ولا يعلمون أن الله تعالى يفضحهم ويخبر رسوله بها «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ»(٢٦) لا يخفى عليه شيء منها. وقرىء بكسر الهمزة أي ما يسره بعضهم لبعض. وبفتحها أي مكن في قلوبهم من ذلك ولم يفشوها بعد «فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ» يكون حالهم حين «يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ»(٢٧) إهانة له ويقرب من معنى هذه الآية ٥١، من سورة الأنفال المارة «ذلِكَ» الضرب «بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ» وهو عدم