للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفائدة من النهي في الموضعين التهييج والإلهاب وزيادة التثبت والإعلام بأن الافتراء والتكذيب قد بلغا في القبح والمحذورية إلى حيث ينبغي أن ينهى عنهما من لا يمكن أن يتصف بهما، فكيف بمن يمكن اتصافه بهما، وفي هذه الآية قطع لأطماع الكفرة.

وهاتان الآيتان على حد قوله تعالى: (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كما سيأتي في الآية ١٠٤ من هذه السورة، وما قدمناه في الآية ١٧ من سورة القصص المارة فهي من جملة الخطابات المراد بها غيره صلى الله عليه وسلم، لأنه معصوم من الشك والمرية والتكذيب، كما ثبت لك مما تقدم وأمثال هذه الآيات كثير في القرآن العظيم، وأحسن الأقوال في تفسيرها ما ذكرناه لك في تفسير هذه الآية، فتمسك بها واحذر أن تكون ممن يشملهم قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ»

بالعذاب الداخلين في قوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) الآية ١٢٠ من سورة هود الآتية المحكوم عليهم بذلك بمقتضى قضائه الأزلي وقدره السابق في علمه المسجل في لوحه المحفوظ «لا يُؤْمِنُونَ» البتة إذ لا يمكن نقض قضاء أبرمه وتخلف إرادة قضاها، وهكذا كل من قطع الله بعدم إيمانه لا يؤمن مهما جاءه من الرسل والكتب ومهما أظهر له من الآيات والمعجزات بدليل قوله تعالى «وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ» من آيات الرسل الأقدمين وغيرها، لأنهم لا ينتفعون بها ولا يتدبرون حكمها ولا يعقلون معناها لصرفهم جوارحهم إلى غير ما خلقت لها، لذلك قطع الأمر بموتهم كفارا وتخليدهم بالنار، لأنهم مثل فرعون لا يؤمنون «حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ٩٦» الذي لا آلم منه ولا مرد له ولا نجاة منه، وإذا آمنوا حينذاك لا ينفعهم إيمانهم للإتيان به في غير محله كما مرّ تفصيله في الآية ٩٠ آنفا وهذه آخر الآيات المدنيات، قال تعالى «فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ» أي أهلها من اطلاق المحل وإرادة الحال فيه، كما تقول سال الوادي، وجرت الساقية، وهذا كثير في القرآن أيضا وهو من محسنات الكلام. «آمَنَتْ» عند معاينة العذاب «فَنَفَعَها إِيمانُها» حال اليأس، ولا يرد على هذا عدم قبول إيمان فرعون، لأنه لم يفارقه النبي الذي أرسل لإرشاده حتى أدركه الغرق، أما هؤلاء فإن نبيهم بعد أن أنذرهم بنزول العذاب تركهم كما سيأتي في القصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>