الكريم هو «جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ»(٨٥) عند الله تعالى في الآخرة الدّائمة إذا فعلوه بأنفسهم وإخوانهم وجميع الخلق في الدّنيا «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا» المنزلة على أنبيائنا «أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ»(٨٦) في الآخرة لا يبارحونها.
قال بعض المطلعين إن مذهب اليهود وجوب إيصال الأذى بأي طريق كان إلى من خالف دينهم وخاصة المسلمين حكى الله عنهم في قوله (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ» الآية ٧٦ من آل عمران المارة، والنّصارى بخلاف ذلك فإنه يحرم عليهم أذى الناس أجمع، وإن أول ما دخل فيه اليهود من الخوض بآيات الله تغاضيهم عن إقامة حدوده في التوراة، أخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرّجل يلقى الرّجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم لعنهم بالآية المارة، والمراد بالمعنى الطّرد من رحمة الله تعالى والعياذ بالله، ثم قال: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظّالم ولتأطرنه (أي تردنه) على الحق أطرا وتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم. ويدخل في هذه الآية من آمن من النّصارى قبلا كالنجاشي وأصحابه ومن بعدهم إلى يوم القيامة، وإن المدح فيها بحق النّصارى ليس على إطلاقه لأنه في مقابلة ذم اليهود والمشركين. ولا يتجه قول من قال إن هذه الآية نزلت في النّجاشي حين الهجرة الأولى الواقعة سنة خمس من البعثة، وقد أشرنا إليها في الآية ٢٠٣ من آل عمران المارة فراجعها لأنها عامة فيهم وفي غيرهم ممن هذا شأنه، والنّجاشي بأولهم. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ» من الطّاعم الطّيبة والمشارب اللّذيذة والرّوائح الكريمة والملابس الفاخرة والمساكن الواسعة والمطايا المطهمة الجميلة والسّلاح المحلى «وَلا تَعْتَدُوا» ما حده الله لكم مما أحله إلى ما حرمه «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(٨٧) حدوده فتحرموا حسب أهوائكم ما لم يحرمه ربكم، وتحللوا ما حرمه، راجع الآية ٩٣ من آل عمران المارة «وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ