أيضا، ومغالاة اليهود حدت بهم إلى أن قالوا عزير بن الله، ووصموا حضرة الإله بالبداء أي النّدم، تعالى عن ذلك كله، فزاغوا عن طريق الحق «وَأَضَلُّوا» أناسا «كَثِيراً» غيرهم بذلك عن أتباعهم ومواليهم «وَضَلُّوا» هم أيضا «عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ»(٧٧) ببغيهم واتباعهم أهواءهم. تشير هذه الآية إلى أن كلّا من اليهود والنّصارى بغوا على الله بتقولاتهم تلك، وتفيد أن المغالاة في الدّين قد تؤدي إلى الكفر، ولهذا نهى الله ورسوله عن المغالاة وأمرا بالقصد، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال إن الدّين يسر ولن يشاء الدّين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة.
قال تعالى «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ» حيث قال لهم لما اصطادوا الحيتان بالحيلة، اللهم العنهم واجعلهم خنازير وقردة، فكانوا بأمر الله تعالى حالا، وقدمنا ما يتعلق بلعنهم وبعض أعمالهم التي استحقوا عليها اللعن في الآية ٦٤ المارة والآية ١٦٤ من الأعراف في ج ١ فراجعهما «وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» لعنوا على لسانه أيضا وهم أصحاب المائدة حين أكلوا منها وادخروا ولم يؤمنوا ويصدقوا، فقال اللهم العنهم واجعلهم خنازير، فكانوا أيضا، كما سيأتي في الآية ١١٥ الآتية إن شاء الله، ولأن داود وعيسى بشرا أمتهما بمحمد صلّى الله عليه وسلم ولعنا من يكفر به فكفروا به «ذلِكَ» اللعن الواقع عليهم «بِما عَصَوْا» أنبياءهم «وَكانُوا يَعْتَدُونَ»(٧٨) أي بسبب اعتدائهم عليهم وعلى أتباعهم «كانُوا» هؤلاء الملعونون «لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ» فيما بينهم ولا ينهى بعضهم بعضا عنه «لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ»(٧٩) ويقولون. وهؤلاء اليهود «تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ» أيها الرّائي «يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» ويطلعونهم على خبيئة أمرهم، وهؤلاء الخبثاء الّذين هذا شأنهم «لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ» من العمل لآخرتهم «أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» بأعمالهم تلك في الدّنيا «وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ»(٨٠) في الآخرة تشير هذه الآية إلى نوع من أعمال المنافقين بموالاتهم الكافرين، لأنهم مثلهم بل أقبح، لأن أولئك كافرون ظاهرا وباطنا يجتنبهم النّاس، فلا يركنون إليهم، ولا يفشون لهم أسرارهم