من مقالتهم هذه القبيحة وعقيدتهم الخبيثة فيفردون الإله بالعبودية ويؤمنون به وحده ايمانا خالصا حقيقيا ويصدقون رسوله محمد بكل ما جاءهم به من عنده ليغفر الله لهم ما سبق منهم «وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(٧٤) بعباده التائبين يريد لهم الخير لتنالهم رحمته
، قال تعالى ردا لمزاعمهم الفاسدة «مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» ليس بإله ولا بابن للإله كما أن الرّسل كلهم لم يدعوا دعوى الافتراء هذه البتة «وَأُمُّهُ» مريم بنت عمران ليست بإله ولا بأم للإله، وإنما هي «صِدِّيقَةٌ» مخلصة لربها وليست بنبية ولم يرسل الله من النّساء نبيا قط:
ولم تكن نبيا قط أنثى ... ولا عبد وشخص ذو افتعال
وهي وابنها «كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ» كسائر النّاس والذي يحتاج إلى الطّعام لا بد أن يبول ويتغوط ويمرض ويحتاج لغيره، ومن كان هذا شأنه لا يصح أن يكون إلها إذ لا يليق بالإله أن يتصف بما يتصف به خلقه، لأنه نقص، والإله مبرأ من النّقص، ومن كان محتاجا لغيره كان عاجزا والعجز لا يليق بالإله القادر على كلّ شيء فيا محمد «انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ» الدالة على فساد عقولهم وآرائهم وقلة إدراكهم وقصر نظرهم «ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»(٧٥) ويصرفون أنفسهم عن استماع هذه الآيات البديعة واعلم أن إعراضهم عنها أبدع وأعجب «قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً» وتدعون عبادة الله المالك لذلك المحي المميت «وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ» لأقوال عباده خفيها وجليها «الْعَلِيمُ»(٧٦) بما في ضمائرهم ونياتهم فهل يكون هذا ممن له عقل «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ» فتجاوزوا الحدود التي حدها لكم «غَيْرَ الْحَقِّ» الذي هو بين الافراط والتفريط راجع الآية ١٧١ من النّساء المارة نظيرة هذه الآية في المعنى لأن مجاوزة الحق مذمومة كالتقصير فيه، وإن المغالاة في الدّين مذمومة كالاهمال فيه والصّد عنه، لأن ذلك من هوى النّفس، ولذلك يقول الله تعالى «وَلا تَتَّبِعُوا» يا أهل الكتابين «أَهْواءَ قَوْمٍ» من قبلكم «قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ» ضلالكم واضلالكم هذين لأن مغالاة النّصارى أوصلتهم إلى أن قالوا إن عيسى ابن الله وإله