عن الإشراك به بما حكى الله عنه «إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ» غيره أو أشركه في عبادته فعبد غيره من إنسان وحيوان وجماد وكوكب وملائكة وجن وانس «فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» إذا مات على شركه ومن يحرم الله عليه الجنّة يغضب عليه «وَمَأْواهُ النَّارُ» في الآخرة بسبب كفره وظلمه لنفسه «وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) » يمنعونهم من عذاب الله ويحولون دون تنفيذه فيهم ثم ذكر الله تعالى نوعا آخر من كفرهم فقال «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ» وهم عند نزول القرآن المرقوسية والنّسطورية من فرق النصارى ويريدون بقولهم هذا أن الله تعالى ومريم وعيسى آلهة ثلاثة والإلهية مشتركة بينهم، وكلّا منهم إله، كما سيأتي تفصيله آخر هذه السّورة عند قوله تعالى (أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) الآية الآتية، فيكون المعنى على قولهم هذا أن الله أحد ثلاثة آلهة أو واحد منها، وفي تفسير آخر أنه جوهر وأحد ثلاثة أقانيم أب وابن وروح قدس، وقدمنا ما يتعلق في هذا في الآية ١٧ من سورة النّساء المارة، والأقنوم هو الأصل، فيكون المعنى أن مجموع هذه الثلاثة إله واحد كما تقول إن الشّمس تتناول القرص والشّعاع والحرارة وكلها شمس، ويعنون بالأب الذات، وبالابن الكلمة، وبروح القدس الحياة، وإن الكلمة التي هي قول الله اختلطت بعيسى اختلاط الماء باللبن، وزعموا أن الأب إله والابن إله والرّوح إله والكل واحد، وكلّ من هذين التفسيرين باطل بداهته لأن الثلاثة لا تكون واحدا، والواحد لا يكون ثلاثة «وَما» في الوجود «مِنْ إِلهٍ» البتة يعبد بحق «إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ» وهو الله الفرد الصّمد لا ثاني له ولا شريك ولا ولد ولا صاحبة ولا والد له وهو واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له ولا ند ولا ضد ولا وزير ولا معين أبدا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ثم هددهم بقوله عزّ قوله «وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ» من الإشراك بالذات الواحدة المقدسة المبرأة المنزهة عن كلّ شيء «لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) » لا تطيقه قواهم، وإنما قال تعالى منهم لسابق علمه بإيمان بعضهم، قال تعالى فيها لهم بالكف عن خطتهم هذه «أَفَلا