من أعمال الدّنيا وهي بما فيها فانية. وهذا السّور العظيم «لَهُ بابٌ» عظيم بنسبة عظمه «باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ» الجنّة لأنها من رحمة الله «وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ»(١٣) النّار لأنها من عذاب الله، فلما رأى ذلك المنافقون صاروا «يُنادُونَهُمْ» أي المؤمنين يقولون لهم «أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ» في الدّنيا «قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ» أيها المنافقون «فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ» فيها بالكفر «وتماديتم في الطّغيان وَتَرَبَّصْتُمْ» تأخرتم عن الإيمان والتوبة «وَارْتَبْتُمْ» في نبوة محمد وكتابه في هذا اليوم «وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ» الباطلة التي كنتم تنتظرونها أن تقع بالمؤمنين «حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ»(١٤) الشيطان بخداعه حتى متم على ما كنتم عليه من النّفاق «فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ» عن أنفسكم مثل الدّنيا إذ يجوز فيها الفداء عن النّفس بالمال، لأن حالة الآخرة غير حالة الدّنيا ولا يقبل منكم الآن إيمان أيضا ولا توبة لفوات وقتهما «وَلا» يقبل أيضا فدية ولا توبة «مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ» أنتم أيها المنافقون والكافرون والمشركون «النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ» جميعا لأنكم في الكفر سواء، وعذابكم مختلف، المنافق أشد من الكافر، والكافر أخف من المشرك، فهي دركات متفاوتة كما أن الجنّة درجات يا لها من درجات متفاوتة أيضا، يقول أهلها حينما يرى أولئك الخبثاء ادخلوها فهي مثواكم «وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(١٥) النار لأهلها، قال تعالى بعد هذا البيان لذي بينه من أحوال أهل الجنّة وأهل النّار «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا» بألسنتهم «أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ» المتلو عليهم فيؤمنوا إيمانا حقيقيا خالصا محضا تنشرّ به قلوبهم عن رغبة ويقين، لأن الايمان إذا لم تخالط بشاسته الظّاهرة اعتقادا جازما وإيقانا قلبيا لا يعتد به ولا ينفع به صاحبه لهذا يقول الله تعالى أما حان لهم أن يخشعوا لذكري «وَ» يخضعوا إلى «ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ» على رسولهم من قبلي بعد ما أرادوا من الآيات البينات الموجبة لخشوعهم وخضوعهم، ألا فلينقادوا ويخبتوا
«وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ» إرسال الرّسول إليهم وإنزال الكتاب عليهم وهم اليهود والنّصارى الّذين سوّفوا وأسرفوا «فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ» فيما بينهم وبين