الذين يريدون بعملهم وجه الله، ولا تعد هذه الجملة مكررة لأنها منصرفة لمعنى آخر بالنسبة لما قبلها. روى البغوي بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من كانت نيته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه أمره ولا يأتيه منها إلا ما كتب له. وروى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها- وفي رواية يتزوجها- فهجرته إلى ما هاجر إليه.
قال تعالى «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ» نسبة للرب وقيل جماعات كثيرة والربيّة الواحدة عشرة آلاف مثل قوم طالوت المار ذكرهم في الآية ٢٥٠ من سورة البقرة المارة «فَما وَهَنُوا» خافوا ولا جبنوا عند اللقاء في قتال الكفرة «لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» من القتل والأسر والجروح «وَما ضَعُفُوا» عن قتال عدوهم «وَمَا اسْتَكانُوا» خضعوا واستسلموا لهم ولكنهم ثبتوا وصبروا «وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ»(١٤٦) الذين لم يجزعوا في الجهاد ولم يفزعوا من الكثرة. واعلم أن كلمة كأين فيها خمس قراءات الأولى بإثبات النون في الوقف والخط وبالتشديد وهي اللغة المشهورة فيها كما هنا، والثانية كائن على وزن اسم الفاعل بلا ياء وعليها قوله:
وكائن لنا فضل عليكم ومنّة ... قديما ولا تدرون ما من منعم
والثالثة بالياء مع الهمزة بلا نون كأي، والرابعة بالياء قبل الهمزة وبعدها النون كيئن وتقرأ بسكون الياء وكسر الهمزة، والخامسة كئن بكاف مفتوحة وهمزة مكسورة ونون ساكنة وعليها قوله:
كئن من صديق خلته صادق الإخا ... أبان اختباري أنه لمداهن
قال تعالى «وَما كانَ قَوْلَهُمْ» أي الربيون عند اللقاء «إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا» أي إفراطنا وتجاوزنا حد العبودية «وَثَبِّتْ أَقْدامَنا» عند لقاء عدونا وأزل من قلوبنا الفزع والرعب