وقيل له إنك أنقصت الخليفة لتشبيهه بالسوقة وهو فوق ما وصفت وان أحدا منهم لا يدرك بعض مقامه ولا جزء رتبته ولا شيئا مما هو عليه من الرّفعة والعزة ارتجل لهم بيتين قال فيها:
لا تنكروا ضربي له من دونه مثلا ... شرودا في النّدى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنّبراس
أي القنديل، ولهذا فلا يقال كيف يشبه الأدنى بالأعلى، لأن التشبيه نسبي بقدر ما يعلم المخاطب من الأشياء الحسية ليكون أوقع في النّفس، لأن التشبيه بشيء لا يعرفه المخاطب لا يكون له قيمة عنده ولا يتعجب منه. واعلم أن هؤلاء الّذين شبه الخليفة بهم لهم ذكر حسن شائع بين النّاس أكثر من بعض الملوك فالتشبيه بخصلة عند رجل قد لا تكون عند المشبه به مدح له وان كانت عند من هو دونه فالاعتراض على أبي تمام في غير محله. واعلم ان الله تعالى جلت قدرته وتعالت عظمته إنما أضاف النّور الى السّماوات والأرض الدّلالة على سعة اشراقه ونشو اضاءته فيها، فيستضيء به أهلهما لأن الضّياء منتشر من النّور، قال الامام السّهيلي في المعنى:
ويظهر في البلاد ضياء نور ... يقيم به البرية ان يموجا
وقال تعالى (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) الآية ١٧ من البقرة المارة وقال جل قوله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) الآية ٥ من سورة يونس ج ٢، لأن نور القمر لا ينتشر مثل ضوء الشّمس، لا سيما في طرفين، وهذا يدل على أن نور القمر مستفاد من الشّمس في مقابلة المضيء منها، لأن اختلاف تشكلات القمر بالبعد والقرب من الشّمس مع خسوفه وقت حيلولة الأرض بينه وبينها دليل بان نورها فائض عليه، وهذا من معجزات القرآن لأن في عهد نزوله لا يوجد من يعرف ذلك، ولهذا قالت الفلاسفة أيضا ما يكون للشمس من ذاته والنّور ما يفيض عليه من مقابلتها، وهذه الدّلالة ظنية، وهي أحد أقسام الخمس اليقينات التي أشرنا إليها في الآية ٤٣ من سورة النّساء المارة. هذا ومن قال ان هذا المثل ضربه الله لنبيه صلّى الله عليه وسلم وقال المشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح