ثبوّته فليس بشيء، وهو منقول عن كعب الأحبار وأضرابه، وانما لم يعتمد على نقل كعب هذا لأنه غالبا ينقل عن التوراة لكثرة تبحره فيها، فيظن من ليس له خبرة بالأحاديث والسّير أنه ينقل عن حضرة الرّسول، وهو رحمه الله لم يشاهد الرسول صلّى الله عليه وسلم لأن إسلامه كان زمن عمر رضي الله عنه، وكلّ ما قيل فيه من تشبيه كعب أو غيره فهو فوقه قال ابن رواحه:
لو لم يكن فيه آيات مبينة ... كانت بداهته تنبيك عن خبره
وقال الأبوصيري:
لو ناسبت قدره آياته عظما ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرّمم
فما تطاول آمال المديح الى ... ما فيه من كرم الأخلاق والشّيم
أيمدح من أثنى الإله بنفسه ... عليه فكيف المدح من بعد ينشأ
إلى آخر ما قال في بردته وهمزيته اللّتين لم يمدح بأحسن منهما كما قيل. وما قيل بأنه مثل لعبده المؤمن وحواسه السّيارات السّبع أو أنه مثل للقرآن يخالفه ظاهره وان كان فيه ما ذكروه من المعاني، وان سبب عدولهم عن ظاهر القرآن زيادة في تنزيه الحق جل ذكره بان يكون لنوره مثل، وهو كذلك، إلا أن الله تعالى يضرب الأمثال بما يفهمه خلقه ويشاهدونه كي يستدلوا به عليه ليس الا، وضرب المثل لا يكون الا بالمحسوس، وإلّا فلا فائدة به، لأن الله تعالى خاطب عباده بما يعقلون، وأمر رسوله أن يكلمهم بما يفهمون، راجع الآية ٢٦ من البقرة المارة وما ترشدك اليه في معنى ضرب المثل «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ» الموصوف هداية خاصة موصلة الى المطلوب حتما «مَنْ يَشاءُ» من عباده بالهام منه فيوفقه لاصابة الحق بأقواله وأفعاله وإشارته وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ» تقريبا لا فهامهم وتسهيلا لسبل ادراكهم ليستأنسوا بالمحسوسات الى المعقولات، وبالمشاهدات الى الغائبات «وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(٣٥) من ضرب الأمثال وما تدركه مخلوقاته وما لا، ويبين لكم ما يمكن أن تعلموه، وتلك المشكاة الموصوفة «فِي» جدار «بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ لها أَنْ تُرْفَعَ» وتعظم وتفخم، فلا يذكر فيها الغير وهي المساجد، لأنها أشرف بقاع الأرض غير ما ضم أجساد الأنبياء منها عليهم