ويراها. الرابع نور الحق وهو يظهر الأشياء المعدومة المخفية في العدم للأبصار والبصائر من الملك والملكوت وهو يراها في الوجود في عالم النّاسوت واللاهوت كما كان يراها في العدم، لأنها كانت موجودة في علمه وان كانت معدومة في ذواتها، لأن علم الله تعالى لا يتغير، وكذلك رؤيته باظهارها في الوجود بل كان التغير راجعا الى ذوات الأشياء وصفاتها عند الإيجاد والتكوين فيتحقق قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بأنه مظهرها ومبديها وموجدها من العدم بكمال القدرة الأزلية ومنورهما بالكواكب في السّماء وبالأنبياء والعارفين والعلماء في الأرض، وهذا النّور الجليل العظيم بالنسبة لعقولنا وما يمكن ان نفهمه على طريق ضرب المثل، ذلك النّور في التمثيل والتقريب لعقول البشر «كَمِشْكاةٍ» كوّة طاقة في جدار حجرة لا منفذ لها باللغة الخشبية الموافقة للغة العربية راجع الآية ١٨٢ من سورة الشّعراء في ج ١، وقيل إن المشكاة ما يكون فيه الزيت والفتيلة من الأواني، والأوّل أولى وهو ما عليه الجمهور «فِيها مِصْباحٌ» سراج ضخم ثاقب نوره وماج تنتشر منه الأجزاء العظيمة «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ» بضم الزاي وفتحها بتخليس أي قنديل من الزجاج الصّافي الأزهر، وإنما خص دون غيره لأنه أحكى للجواهر من غيره لما فيه من الصّفاء والشّفّافية كما خصّت الكوة الغير نافذة لأن المكان كلما ضاق أو تضايق كان أجمع للضوء والنّور «الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ» ينلألأ وفادا في صفاء الدّر وزهرته والكوكب يتضاعف نوره إذا درأ منقضا أي اندفع فكأنه يدرأ الظّلام بضوئه، ودرّ الكواكب عظامها مثل السّيارات الخمس، ولم يشبه بالشمس والقمر لأنهما يكسفان بخلاف الكواكب فإنها لا تكسف، والزجاجة مثلثة الزاي كالنخاع والقصاص والوشاح والزوان والجمام والصّوان وغيرها من المثلثات التي يجوز فيها الضّم والفتح والكسر، وذلك المصباح «يُوقَدُ» وقرىء توقد فعل ماض شدد القاف، وهذه القراءة جائزة لأن فيها التصحيف فقط، أي ابدال التاء بالياء فلا توجب زيادة في اللفظ ولا نقصا. واعلم أنه كما توقد النّار بالحطب توقد الأنوار بالأدهان «مِنْ» زيت «شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ» بدل من شجرة وبركتها كثرة منافعها