آنفا، وهذا الفعل لم يكرر في القرآن وجاء منه (مَرَحاً) في الآية ١٧ من سورة الإسراء في ج ١، ثم يقال لهم «ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ٧٦» عن توحيد الله وطاعة رسله وتعس مقرهم ومنزلهم، قال تعالى مخاطبا حبيبه بقوله عزّ قوله «فَاصْبِرْ» على أذى قومك يا أكرم الرسل وتحمل أذاهم وجفاهم حتى يأتي الوقت المقدر لنصرتك عليهم «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» منجز لا محالة إلا أنه لا يؤخر ولا يقدم عن أجله المقدر في علمه «فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ» بحياتك من القتل والأسر والجلاء «أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ» قبله فنريكه في الآخرة لأنهم لا يفلتون منا «فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ ٧٧» وننتصف لك منهم وقد أراه الله عذابهم الدنيوي في بدر وما بعدها وسيريه عذابهم الأخروي أيضا البتة «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ» خبره وقومه في هذا القرآن «وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ» ولقد آتيناهم آيات معجزات وكذبهم أقوامهم أيضا، فلا توجد في نفسك غضاضة فلك أسوة بهم وفي هذه الآية تسلية له صلّى الله عليه وسلم من ربه جلّ وعلا كي لا يضيق صدره مما يرى من قومه، ونظير هذه الآية الآية ٣٨ من سورة الفرقان في ج ١ والآية ١٦٧ من سورة النساء في ج ٣ فراجعهما. قال تعالى «وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ» من تلقاء نفسه أو بحسب اقتراح قومه عليه إذ لا يتمكن من الإتيان بها «إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» فإذا أذن له أظهرها على يده وإلا لا «فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ» بعذاب قوم «قُضِيَ بِالْحَقِّ» بين الرسل وأممهم «وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ ٧٨» الذين يكلفون أنبياءهم بالمعجزات ويجادلونهم بالباطل عنادا ومكابرة، ثم بين نبذة من أفضاله على خلقه فقال تعالى «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها»
أي اللاتي للركوب كالإبل والخيل والبراذين وشبهها «تَأْكُلُونَ ٧٩» ففيها نعمتان نعمة الركوب ونعمة الأكل، ومنها للأكل فقط كالغنم والمعزى وغيرهما، ومنها للأكل والعمل كالبقر والجاموس وغيرهما، إذ تستعمل للحراثة وقد تستعمل الإبل لها وللسقي «وَلَكُمْ فِيها» كلها «مَنافِعُ» أخرى غير الأكل والركوب والعمل من حليب ولبن وزبدة وسمن وجبن واقط وصوف ووبر وشعر للباس