للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على القول بأن هذه الآية نزلت مع سورتها في محلها هذا وهو الأولى. وقال بعض المفسرين أن المراد بالفتح هنا فتح مكة لأن هذه التفوهات وقعت من المنافقين قرب فتح مكة إذ كان حضرة الرّسول يعرض به لأنه كلما رجع من غزوة يعرض بالأخرى ليكون المؤمنون على أهبة الغزو دائما، وعلى هذا القول تكون هذه الآية متقدمة في النّزول على سورتها، وهي صالحة للقول بقيد نزولها في فتح مكة، والقول الأوّل على التعميم فيصدق مفعولها على سائر الفتوحات، وقد ذكرنا أن سبب النّزول قد يتقدم ويتأخر ويقارن الحادثة «أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ» بقتل هؤلاء المنافقين المرجفين وسبيهم وإجلائهم وكافة اليهود وقطع أملهم من الأراضي الحجازية «فَيُصْبِحُوا» هؤلاء المذمومون «عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ» من طلب موالاة الكفرة «نادِمِينَ» (٥٢) ولا شك أن لفظ عسى من الله للتحقيق والكريم إذا أطمع في خير فعله، وقد كان والحمد لله وندم من ندم على ما أسرّ وأعلن من تلك التفوهات «وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا» بعضهم لبعض أو لليهود على القول الآخر بعد إنجاز ما وعد الله من الفتح «أَهؤُلاءِ» المنافقون «الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ» كناية عن المبالغة في الحلف ليصدق المحلوف له أي إيمانا مكررة موثقة «إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ» أيها المؤمنون على الكافرين أو أيها اليهود على المؤمنين وأنصاركم عليهم، كيف أظهروا الميل إلى موالاة اليهود وهم قد عظموا الإيمان أنهم معكم. وقال بعض المفسرين إنهم أجهدوا إيمانهم أن يكونوا مع اليهود كما حكى الله عنهم بقوله (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) الآية ٢١ من سورة الحشر المارة، وعليه يكون المعنى أنهم لمعكم أيها اليهود بالموالاة، وإنهم يرجون أن تكون لكم الدّولة، ولم يفعلوا أيضا ما تعهدوا به إليهم، لذلك «حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ» في شأن الموالاة على كلا القولين، وبغتوا بما صنعوا من المساعي عند مشاهدتهم خيبة رجائهم وانعكاس ما تصوروه وترقبوه «فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ» (٥٣) الدنيا، إذ لم يوفوا المؤمنين ما تعهدوا به لهم من النّصرة، ولم تكن لليهود الّذين عاهدوهم على القتال دولة يلجأون إليها معهم. والآية صالحة للمعنيين المذكورين، والأوّل أولى لظاهر الخطاب في حقكم، والله أعلم. وخسروا الآخرة أيضا لأنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>