قال تعالى مجيزا لهم أخذ الفداء المذكور ولو كان سابقا لأوانه لأن القصد من عدم أخذه ما ذكر أعلاه «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً» لأنكم حزتموه بكسب أيديكم وبذل أموالكم ونفوسكم «وَاتَّقُوا اللَّهَ» من أن تقدموا مرة ثانية على عمل شيء قبل أن يعهد لكم فيه من قبل الله «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» لكم ما تقدم فيما استبديتم به من أخذ الفداء «رَحِيمٌ (٦٩) » بكم إذا عفا عنكم ولم يؤاخذكم به، لأنه كان مبلغ علمكم ونتيجة اجتهادكم وجامعة شئونكم. قال تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى» الذين قبلتم منهم الفداء «إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً» من الإيمان به والتصديق لرسوله وكتابه «يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ» من الفداء الذي فديتم به أنفسكم «وَيَغْفِرْ لَكُمْ» ما سلف منكم إلى لحظة إيمانكم «وَاللَّهُ غَفُورٌ» لمن تاب مهما كان عليه من الكفر «رَحِيمٌ (٧٠) » بجميع عباده يريد لهم الخير والرشد ويمهلهم ليرجعوا إليه، فمتى رجعوا إليه عن يقين وإخلاص قبلهم على ما كان منهم، وعفا عنهم. هذا ويوجد في القرآن اثنتا عشر آية مصدرة ب (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) هذه والتي قبلها عدد ٦٥، ٦٤ والآية ٧١ من سورة التوبة الآتية، وفي الأحزاب ٥ وواحدة في كل من سورة الممتحنة، والطلاق، والتحريم الآتيات. وقد نزلت هذه الآية في أسرى بدر الذين منهم العباس بن عبد المطلب، إذ أخرج معه عشرين اوقية من الذهب ليطعم بها قومه كسائر رؤساء قريش كما أشرنا إليه في الآية ٣٧ المارة، وقد صادفت نوبة إطعامه يوم الهزيمة فأسر ولم يطعم منها شيئا، فأخذوها منه مع جملة ما أخذوه
من غيره، وكان كلم حضرة الرسول بأن يحسبها من الفداء فلم يفعل، لأنها صارت غنيمة كبقية الأموال والمعدات التي آلت إليهم بسبب غلبهم عليهم، وكذلك الأمتعة والألبسة وغيرها، وقال له إن شيئا تستعين به علينا لا نتركه لك، وكلفه فداء ابني أخيه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث، فقال يا محمد تريد تتركني أتكفف قريشا؟ فقال صلّى الله عليه وسلم أين الذهب الذي دفنته أم الفضل وقلت لها حين خروجك من مكة لا أدري ما يصيبني، فإن حدث بي حدث فهذا لك ولعبد الله وعبيد الله بني الفضل وقثم. قال ما يدريك يا ابن أخي؟ قال أخبرني ربي،