عليه شيء من أعمالكم وأقوالكم. وفي هذه الآية تحذير عن تعدي حد الشرع، ونهي عن تجاوز حدود الله، وأمر بمحافظة العهود، ولزوم مراقبة أوامر الله، لأن البصير هو المطلع على خفايا الأمور ووقائعها المحيط علمه بكل شيء. قال تعالى «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» فلا توالوهم ولا تتولوهم وتباعدوا عنهم أيها المؤمنون، لأن نصرتكم إليهم يكون تقوية لهم وعزة لشأنهم، وقد أمرتم بإضعافهم وإذلالهم. وهذه الآية تفيد ثبوت ولاية الكافرين بعضهم لبعض، وتوارثهم بينهم، وفيما نهي عن معونتهم ونصرتهم، لأنها خبر بمعنى الإنشاء، يؤيد هذا قوله تعالى «إِلَّا تَفْعَلُوهُ» الذي أمرتم به من تعاون المؤمنين ومقاطعة الكافرين وخذلانهم «تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ»(٧٣) بينكم، لأن المسلمين إذا لم يكونوا يدا واحدة على عدوهم في كل أمورهم الحسية والمعنوية ظهرت أعداؤهم عليهم، وتفرقت كلمتهم، ووهنت قوتهم، وقد ينشأ من هذا اتفاق كلمة المشركين، وقوة شكيتهم، وتحديهم للمسلمين، لأن الفتنة هي قوة الكافر والفساد ضعف المسلمين، ولهذا البحث صلة في الآيات ٢٠/ ٢١ و ٦٤/ ٧٠ و ٧٢/ ٧٤ من سورة التوبة الآتية. قال تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا» لأنهم بذلوا أموالهم وأنفسهم في طاعة الله ورسوله وهؤلاء «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» عظيمة لذنوبهم مهما كانت كثيرة وكبيرة «وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) » في جنات النعيم، ولا يعد هذا تكرارا لأن الآية الأولى ذكر فيها حكم ولايتهم بعضهم لبعض كما ذكر بعدها ولاية الكفرة بعضهم لبعض، وفي هذه ذكر ما من الله به عليهم من فضله وخيره، على أن إعادة الشيء مرة بعد أخرى تدل على مزيد الاهتمام به والتعظيم لشأنه وعلو شرفه وإمكان مكانته وتمكن العناية به. قال تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ» الهجرة الأولى ولحقوا بكم بعد الذين سبقوهم إليها «وَهاجَرُوا» بعدهم «وَجاهَدُوا مَعَكُمْ» بأموالهم وأنفسهم «فَأُولئِكَ مِنْكُمْ» وأنتم منهم إلا أنهم لم يبلغوا درجة المهاجرين الأولين، لأنهم عند الله أعظم مرتبة وقدرا وأكثر تفاوتا وأجرا، ولو لم يكن ذلك لما صح الإلحاق بهم «وَأُولُوا الْأَرْحامِ»