تعطيلا له عن الأكل والعمل بصورة بانه مما يؤدي إلى هلاكه ولم يجعل الله الهلاك في هذا الحد، فلو أن المسلمين ساروا على ما حده الله لا نقطع دابر الفساد كله، لأن النّاس إذا رأوا عار قطع اليد الملازم للسارق يرتدعون عن السّرقة، أما الحبس الذي عليه أحكام هذا الزمن بنوعيها الجناية والجنحة فلم تكن رادعة لقطع دابر السّرقات مهما شدد فيها لصعوبة أسباب ثبوتها، فلذلك ما زالت السّرقات تتكاثر، وما زال السّراق يتبرمون، ولهذا شدد الشّارع فأوجب قطع اليد عند الثبوت، لأن هذا يزيد في الزجر ويقطع دابر السّرقة وتتأثر النّاس في عارها ويتحاشون أن يلصق بهم. قال تعالى «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ» لنفسه بالسرقة وظلم غيره بأخذ ماله «وَأَصْلَحَ» نفسه بعدها بالعمل الصّالح «فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ» ويقبل توبته «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» لعباده الرّاجعين إليه «رَحِيمٌ ٣٩» بهم يريد لهم الخير، وليعلم أن هذه التوبة لا تسقط عنه الحد، لأنه جزاء لما فعل، أخرج أبو داود وابن ماجه والنّسائي عن أبي أمية المخزومي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى بلصّ قد اعترف اعترافا لم يوجد معه متاع فقال له إخالك سرقت، فقال بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا كلّ ذلك يعترف، فأمر به فقطع، ثم جيء به فقال له صلّى الله عليه وسلم أستغفر الله وتب اليه، فقال الرّجل أستغفر الله وأتوب اليه، فقال صلّى الله عليه وسلم اللهم تب عليه. وهذا إذا كان مؤمنا، أما إذا كان كافرا وأسلم فقد سقط عنه الحد ويبقى المال فقط، وإذا حاول السّرقة فلم يسرق لأمر ما فلا حدّ عليه، لأن الله فرض الحد على الفاعل القاصد، وهكذا القتل إذا قصده ولم يقتله أو قتل خطأ أو مناولا فلا شيء عليه، راجع الآية ٩٢ من سورة النّساء، قال تعالى «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(٤٠) قدم تعالى في هذه الآية التعذيب على المغفرة لأنه بمقابلة قطع السّرقة على التوبة، وهذه الآية تبطل زعم القدرية والمعتزلة القائلين بوجوب الرّحمة للمطيع والعذاب للعاصي لأنها تدل على أن التعذيب والرّحمة مفوضان للمشيئة، والوجوب ينافي ذلك، وبما أن الكل في ملكه والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء فلا