«وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ» وإضلاله عن الهدى «فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» تقدر به على إخلاصه لسلوك الحق، لأن كلا ميسر لما خلق له في الأزل لا تبديل لخلق الله، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف، راجع الآية ٢٩ من سورة الأعراف ج ١، وفي هذه الآية دلالة على قطع رجائه صلّى الله عليه وسلم من إيمانهم به وعدم الالتفات إليهم والمبالاة بهم، والاهتمام بشأنهم «أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ» من اهوان الكفر لسابق علمه في اختياره له وأمثال هؤلاء «لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ» وهوان على ما هم عليه من النّفاق والتجسس والتحريف لكلام الله وكلام رسوله «وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ»(٤١) جزاء عملهم هذا. ثم كرر ما هم عليه من الصّفات الذميمة تأكيدا لسوء حالهم فقال «سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ» وكلّ ما لا يحل كسبه سحت، وجاء في الحديث بمعنى الرّشوة، لأنهم كانوا يحللون ويحرمون بها، وتقرأ بضمتين كالعنق وبالفتح على المصدرية «فَإِنْ جاؤُكَ» يا سيد الرّسل لتقضي بينهم فيما يختلفون فيه بعضهم مع بعض «فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ» ولا يمنعك ما تراه منهم أن تحكم بينهم «أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ» إن شئت ألا تحكم، وهذا أمر تخييري «وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ» فلم تقض بينهم بسبب صدودهم عنك وعدم إيمانهم بك ونصب العداء لك فإنهم لا يقدرون عليك بشيء ما فاتركهم «فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً» لأن الله عاصمك منهم كما هو عاصمك من غيرهم «وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ» العدل الذي شرعناه لك «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»(٤٢) بأحكامهم الّذين لا تأخذهم في الحق لومة لا ثم، فلا يجوزون، ولا يميلون لقوي أو غني، ولا يميزون بين الخطير والحقير، ولا يحيفون لعداوة أو كراهية ما. وخلاصة هذه القصة أن رجلا وامرأة من أشراف اليهود بخيبر زنيا وكانا محصنين، وفي شرعهم يجري عليهم الحد وهو الرّجم، بمقتضى حكم التوراة، فكره اليهود رجم المرأة لشرفها، فقالوا إن هذا الرّجل بيثرب يعنون محمدا صلّى الله عليه وسلم يقضي بين النّاس وليس في كناية الرّجم فاذهبوا اليه واسألوه عما يجب عليها، فبعثوا رهطا وقالوا لهم اسألوه عن الزانيين المحصنين ما حدهما، فإن أمركم بالحد فاقبلوا، وإن أمركم