بتشديد الضاء في الأول والراء في الثاني، قال نوح عليه السلام «وَقَدْ أَضَلُّوا» كبراؤهم «كَثِيراً» من الناس «وَلا تَزِدِ» هذه الأصنام «الظَّالِمِينَ» أنفسهم بعبادتها «إِلَّا ضَلالًا» ٢٤ فوق ضلالهم «مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ» العظيمة «أُغْرِقُوا» بسببها «فَأُدْخِلُوا ناراً» عقب إغراقهم بلا فاصلة بدليل العطف بالفاء، وهذه الآية تدل على عذاب القبر قبل البعث ويبعد حمله على عذاب الآخرة لإبطال دلالة الفاء، ولوجوب تفسير ادخلوا بفعل الاستقبال الصرف إلى سيدخلون وهو خلاف الظاهر، وتدل أيضا على أن من مات غرقا أو حرقا أو أكلته السباع أو الطير أو الحوت مثلا، أصابه ما أصاب المقبور من عذاب القبر، قال الضحاك:
كانوا يغرقون من جانب ويحرقون من آخر، وأنشد ابن الأنباري:
الخلق مجتمع طورا ومفترق ... والحادثات فنون ذات أطوار
لا تعجبن لأضداد إذا اجتمعت ... فالله يجمع بين الماء والنار
«فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً» ٢٥ يخلصونهم من الغرق لا من قادتهم ولا من أوثانهم، وفي الآية تعريض بتفنيد زعمهم بأن آلهتهم تنصرهم وتهكم في اعتقادهم بها وتوبيخ لهم لأن أصنامهم وزعماءهم أغرقوا معهم. وقدمنا ما يتعلق بعذاب القبر في الآية ٤٦ من سورة المؤمن وله صلة في الآية ٢٧ من سورة إبراهيم الآتية.
وبعد أن عدد مساوئهم وتحقق إياسه منهم وقد توغر صدره عليه السلام طيلة عشرة قرون تقريبا وهو يدعوهم إلى الإيمان بالله وترك لأوثان ولم يصغوا له وأصروا على تكذيبهم له وازدادت إهانتهم له، دعا عليهم كما ذكر الله «وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً» ٢٦ يدور عليها أو يسكن فيها، وهذه الكلمة لا تستعمل إلا بالنفي العام ولم تكرر في القرآن، يقال ما بالدار ديار أو ديّور، أي ما بها أحد، وأصله ديوارا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في مثلها. وإشراك غير قومه بالدعاء يثبت عموم بعثته عليه السلام من حيث آخرها كما أشرنا إليه في الآية ٧٣ من سورة يونس المارة، واستدل بعضهم في هذه الآية على عموم الطوفان، على أن لفظ الأرض يطلق على قطعة منها، قال تعالى (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) الآية ١٠٣