للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدريجية، من النطفة إلى علقة، إلى مضغة، إلى لحم وعظام، إلى قوام بديع، وبعد تمام خلقكم جعلكم أصنافا مختلفين أيضا في اللون والشكل واللغة والطبع، راجع الآيتين ٦٤/ ٦٧ من سورة المؤمن المارة، والأطوار هي الأحوال المختلفة قال:

فإن أفاق فقد طارت عمايته ... والمرء يخلق طورا بعد أطوار

وفي نقصانه أيضا ضعف في القوى والجوارح إلى أضعف تدريجا إلى حالة الهرم والخرف، فسبحان المبدئ المعيد الفعال لما يريد القائل «أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً» ١٥ بعضها فوق بعض «وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً» يضيء ليلا «وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً» ١٦ تضيء نهارا، وإنما سمى الأول نورا والآخر سراجا، لأن نور القمر منعكس عليه من الشمس لاختلاف تشكلاته بالقرب والبعد عنها مع خسوفه بحيلولة الأرض بينه وبينها ونور الشمس، لا بطريق الانعكاس من كوكب آخر، والله أعلم، راجع الآية ٩ من سورة القيامة في ج ١ وما ترشدك إليه تجد ما يتعلق بالكسوف والخسوف. «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً» ١٧ بدأ خلق أصلكم آدم عليه السلام من الأرض والناس كلهم من صلبه ولم يأت المصدر من لفظ الفعل ليكون المعنى أنبتكم فنبتم نباتا عجيبا كما هو مشاهد لكم، لأن الإنبات من لفظ الفعل من صفات لله تعالى وصفاته غير محسوسه لنا، فلا نعرف أن ذلك الإنبات إنبات عجيب إلا بإخبار الله تعالى، وهذا المقام مقام الاستدلال على كمال قدرة الله تعالى «ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً» ١٨ بديعا للحشر والحساب، أي يحييكم بعد إماتتكم بصورة لا يعرفها البشر، لأن الإحياء والإماتة من خصائصه جل شأنه، ثم طفق يعدد عليهم بعض نعمه فقال «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً» ١٩ لتمكنوا من التقلب فيها كيفما شئتم، وهذه الآية أيضا لا تنافي كروية الأرض لأنها مبسوطة بالنسبة لما نراه منها، وقد تكون بخلافه، وبسبب عظمها لا تظهر كرويتها للناظرين إلا بأدلة، ثم بين علّة البسط فقال «لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا» طرقا «فِجاجاً» ٢٠ واسعة وضيقة ومختلفة، والطرق تكون في السهل والجبل، والفجاج في الجبل فقط، وبعد أن ذكرهم بذلك كله وعدد عليهم نعم ربه وخوفهم عقابه، علم بإعلام الله إياه عدم إيمانهم، راجع

<<  <  ج: ص:  >  >>