من سورة طه في ج ١ وأشرنا فيها إلى المواضع التي تكلمنا فيها على هذا من آيات القرآن العظيم، فراجعها ففيها كفاية. هذا وما ذكرناه من أنه على سبيل الفرض والتقدير بالنظر لظاهر الآية لأن احتمال الوقوع فرضا كاف في القضية الشرطية كما هنا.
وليعلم أن القضايا قسمان: حملية وهي ما ينحلّ طرفاها إلى مفردين كزيد كاتب أو ليس بكاتب، وشرطية وهي ما لا ينحل طرفاها إلى مفردين مثل إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. ولكل منهما أقسام يرجع في معرفتها إلى علم المنطق.
وليعلم أيضا أن القضية والخبر والمطلوب والنتيجة والمسألة في الأصل شيء واحد ولكنها تختلف من حيث التسمية فقط، فإنها من حيث اشتمالها على الحكم تسمى قضية، ومن حيث اشتمالها على الصدق والكذب تسمى خبرا، ومن حيث كونها جزءا من الدليل تسمى مقدمة، ومن حيث كونها نتيجة تسمى علما، ومن حيث كونها يسأل عنا في العلم تسمى مسألة. قال صاحب التلويح: الذات واحدة واختلاف العبادات باختلاف الاعتبار، وقيل في المعنى:
عباراتهم شتى وحسنك واحد ... وكل إلى ذلك الجمال يشير
عود على بدء: إلا أنه ينبغي أن يعلم أن استحالة الوقوع في المعصية على جميع الأنبياء شرعية كما ستقف عليه من مطالعة المواقع التي أرشدناك لمراجعتها أيها القارئ المنصف الكريم، وقد استدل السادة الحنفية من عدم تقييد الإحباط بالاستمرار على الشرك إلى الموت بأن الردة تحبط العمل الذي قبلها مطلقا وبوجوب قضاء الحج فقط لأن ثواب حجه قبل الردة أحبط بها أيضا، أما عدم قضاء الصلاة والصيام والزكاة مثلا فلم يوجبوه باعتباره دخل في الإسلام حديثا والدخول بالإسلام يكفر ما قبله من الآثام، فلو فرض أنه لم يصلّ ولم يزكّ قط كسائر الكفرة فإنه لا يكلف بشيء من ذلك، لأن الإيمان يجب ما قبله. وقال السادة الشافعية إن الردة لا تحبط العمل السابق عليها ما لم يستمر المرتدّ على الكفر إلى الموت، وقالوا إن ترك التقييد هنا اعتماد على التصريح به في قوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) الآية ٢١٨ من سورة البقرة في ج ٣، وقالوا إن هذه الآية من حمل المطلق على المقيد. وقال بعض الحنفية في