للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ذلِكَ الْكِتابُ» الذي وعدناك به يا سيد الرسل (أي في الآية ٦ من سورة المزمل في ج ١ وهي: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) لا يمحوه الماء ولا يخلق على كثرة الترادد، ولا يسأم منه تاليه الذي «لا رَيْبَ فِيهِ» ولا شك ولا شبهة بأنه من عند الله، وانه في نفسه حق وإن قال الجاحدون ما قالوا، وهو «هُدىً لِلْمُتَّقِينَ» (٢) لأنّهم هم المنتفعون به، فطوبى لأهل التقوى التي هي جماع كل بر، وملاك كل خير، فلو لم يكن لهم فضل غير ما في هذه الآية لكفاهم، وهؤلاء المتقون هم «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» الذي أنبأهم به رسولهم من البعث والحشر والحساب والجزاء والجنة والنار وغيرها «وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ» المفروضة فيؤدونها كاملة من الخشوع والخضوع المشار إليهما في الآية الأولى من سورة المؤمنين في ج ٢، ومن كما لها أن تكون بجماعة «وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» (٣) عن رغبة وطيب نفس طاعة لله تعالى على عياله وشكرا لآلائه عليهم وعلى الأصناف الثمانية الآتي دكرهم في الآية ٦٠ من سورة التوبة الآتية، ومن رغّب القرآن بالإنفاق عليهم «وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ» من الوحي الجليل «وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» منه على الأنبياء السالفين من كتب وصحف، لأن من لا يؤمن بجميع الكتب وجميع الرسل ليس بمؤمن «وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» (٤) أنها آتية لا محالة، لأن من لم يوقن بوقوعها وبما فيها فليس بمؤمن أيضا ولو آمن بالكتب والرسل «أُولئِكَ» الموقنون بما ذكر القائمون به حق القيام إيقانا خالصا وإيمانا محضا «عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (٥) الفائزون الناجحون يوم القيامة. ونظير هذه الآية الآية ٣ من سورة لقمان في ج ٢.

وقد يأتي الفلاح بمعنى البقاء كما قيل:

لو كان حي مدرك الفلاح ... أدركه ملاعب الرماح

(الأسنّة) وأصله الشق، كما قيل: إن الحديد بالحديد يفلح. واعلم أن الله تعالى صدر هذه السورة بهذه الآيات الأربع (عدا الم) لأن بعض القراء عدها مع ما بعدها آية واحدة. في حق المؤمنين، والآيتين بعدها بحق الكافرين، وثلاث عشرة آية بعدهما بحق المنافقين، والبقية في الأحكام والأخبار وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>