وجود النسخ في القرآن كأبي مسلم الأصفهاني وغيره ممن ذكرناه في بحث الناسخ والمنسوخ في المقدمة قال إن هذا التبديل المشار إليه في هذه الآية هو لبعض الأحكام المبينة في التوراة وغيرها من الكتب القديمة، وهو من سنة الله القائل على لسان رسوله عيسى بن مريم (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) الآية ٥١ من آل عمران الآتية في ج ٣ والآية ٤٤ من سورة الزخرف المارة. ومن قال بالنسخ قال هو كتبديل استقبال القبلة بالكعبة وما يضاهي ذلك. قال تعالى «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ» فيما بينهم «إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ» نزلت هذه الآية عند ما قال المشركون بعضهم لبعض إن محمدا يتعلم ما يتلوه علينا من القصص والأخبار من آدمي مثله، وليس هو كما يزعم أنه من عند الله، واختلفوا في الذي يتعلم منه، فمنهم من قال إنه عايش غلام حويطب، ومنهم من قال جبر غلام رومي لعامر الحضرمي، ومنهم من قال إنه بسار، ومنهم من قال إنه سلمان الفارسي أو عداس غلام عتبة بن ربيعة، أو بلعام غلام أيضا، لأنهم كلهم يقرءون، سبب هذه النسبة أنه صلّى الله عليه وسلم كان إذا آذاه المشركون قعد لأحدهم يسمع منه شيئا من القرآن ليستميلهم إلى الإيمان، لأنهم أهل كتاب يعرفون ما جاء في كتبهم مما هو موافق لما جاء في القرآن، وذلك ترويجا للنفس وتسلية لما أهمه من أمر قومه وما يتهمونه به، فكذبهم الله تعالى بقوله «لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ» يميلون عليه ويشيرون «إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ» والأعجمي وإن سكن في البادية والحاضرة العربية يعجز أن يتكلم بفصاحة العرب، فضلا عن بلاغة القرآن الذي عجز عن مباراته فصحاء العرب الذين ينزل بلغتهم، وهؤلاء العبيد ليسوا بعرب ولا فصحاء فيستحيل عليهم التكلم بالعربية الفصيحة «وَهذا» القرآن الذي نتلوه عليك يا سيد الرسل هو «لِسانُ» واضح فصيح بليغ «عَرَبِيٌّ مُبِينٌ» ١٠٣ يستحيل على جميع الناس النطق بمثله وإذا استحال عليهم النطق به فمن باب أولى أن يستحيل عليهم تعليمه أو الإتيان بمثله فثبت بهذا البرهان أن الذي جاء به محمد هو وحي إلهي ليس من نفسه ولا من تعليم الغير. وقال بعض العلماء المراد باللسان هو القرآن نفسه لأنه يطلق على القصيدة والكلمة، قال الشاعر: لسان السوء تهديه إلينا.