اشترى من المؤمنين قلوبهم مع أنها الأصل ومحل الإيمان، لأنها ليست بأيدي عباده، فالقلب بيت الرّحمن وهو بين إصبعيه يقلبه كيف يشاء، ولأن الإنسان لا يصحّ له أن يبيع ما لا يملك كما لا يصحّ له أن يبيع طيرا بالهواء أو حوتا في الماء، قال تعالى «التَّائِبُونَ» من الكفر والنّفاق والبغي والعصيان «الْعابِدُونَ» الله تعالى بإخلاص جهد المستطاع بالسر والإعلان «الْحامِدُونَ» ربهم على السّرّاء والضّراء الرّاضون بما أنعم عليهم المنان «السَّائِحُونَ» في الأرض المتفكرون بما أبدعه الله من الخلق وإلى طلب العلم والتهذيب النّفسي وإلى الجهاد في في سبيل الملك الحنان «الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ» في إقامة الصّلوات في أوقاتها المحافظون على أركانها المراعون شروطها، وعبر بالركوع والسّجود عن الصّلاة لأنهما معظمها واختصاصهما بها لله تعالى بخلاف القيام والقعود والقراءة «الْآمِرُونَ» أنفسهم وغيرهم «بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ» راجع بيانها في الآية (١١١) من سورة البقرة المارة، وأدخلت الواو هنا لأن العرب تعتبر السّبعة عددا تاما فنعطف عليه ما بعده، راجع الآية ٤٣ من سورة الكهف في ج ٢ فيما يتعلق بهذا والقرآن نزل بلغتهم «وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ» فلم يتجاوزوا شيئا منها ولم يتعدوا ما حده لهم، فهؤلاء المتصفون في هذه الصّفات العالية هم المؤمنون «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»(١١٢) أمثال هؤلاء بأن لهم الجنّة عند ربهم كالغزاة المار ذكرهم إذا لم يقصدوا بتركهم الغزو مطلق الرّاحة أو كلا عنه أو مخالفة لآمرهم أو رغبة عنه. قال تعالى «ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ» الّذين ماتوا على شركهم، أما الأحياء من الكفرة فيصح الدّعاء لهم بالهداية، ويجب إرشادهم للايمان «وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى» لهم فلا يجوز الاستغفار لهم، ولا ينبغي فعله «مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ»(١١٣) بتحقق موتهم على الكفر بحسب الظّاهر، وعليه فلا يصح ولا يستقيم الدّعاء لهم شرعا، اما قبله فلا بأس بل هو مطلوب لقوله صلّى الله عليه وسلم لأن يهد الله بك رجلا خير لك من حمر النّعم وجعل بعض المفسرين نزول هذه الآية في أبي طالب حين قال له صلّى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك،