ابن مريم، وخروج الدابة، وبقية أشراط الساعة، وفناء الدنيا. وهنا تم الكلام بالوقف على لفظ الجلالة، وما بعده كلام مستأنف فيبتدئ القارئ بقوله «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» الثابتون فيه الذين أتقنوا أصوله وفروعه بحيث بلغوا من اليقين فيه حدا لا يتطرق إليهم الشك والشبهة معه، لأن هؤلاء الأبرار القادة الأخيار «يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ» أي المتشابه على ما هو عليه، واعتقدنا أحقيته على ما جاء من الله، واعترفنا أن أفهام البشر قاصرة عن معرفة المراد منه، وهذا هو إيمان التسليم وهو مذهب السلف الصالح كما أشرنا إليه عند كل ذكر يتعلق به، راجع الآية ٢١٠ من سورة البقرة المارة. واعلم أن هذه الجملة الأخيرة حالية، وفيها على هذه القراءة وفي الوقف على لفظ الجلالة في الجملة قبلها ثناء على الله تعالى بالإيمان بما جاء في كلامه بلا تكييف، وعليه جرى أكثر المفسرين وبه قال ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب والسيدة عائشة وأكثر التابعين وهو الموافق لسياق التنزيل، ووقف بعض القراء على كلمة (العلم) وتابعه بعض المفسرين، إلا أن الوقوف عليها يحتاج إلى كلام آخر ليكون مبتدأ، وفيه ما فيه من تعبير النظم وتبديل المعنى، تأمل. ويقول أولئك الكاملون العارفون «كُلٌّ» من المحكم والمتشابه منزل «مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» عز وجل ما علمنا منه وما لم نعلم، ويجب علينا الإيمان بهما ويفترض علينا أن نكل علم ما لم نعلم منهما إليه تعالى وتعمل بما علمناه.
روي عن ابن عباس أنه قال تفسير القرآن على أربعة أوجه: الأول تفسير لا يسع أحدا جهله، الثاني تفسير تعرفه العرب بألسنتها، الثالث تفسير تعلمه العلماء بما علمهم الله، الرابع تفسير لا يعلمه إلا الله وهو مما استأثر الله بعلمه. والراسخون في العلم هم العلماء العاملون بما علموا المتقون فيما بينهم وبين الله، المتواضعون فيما بينهم وبين الناس، الخافضون جناحهم للمتعلمين منهم الزاهدون في الدنيا، المجاهدون أنفسهم في عبادة الله، المخلصون بأعمالهم له، ذوو القلوب الحيّة المتذكرون بما ذكرهم به ربهم «وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (٧) » أمثال هؤلاء الراسخين الذين يقفون عند قولهم آمنا به الملهمين علمهم من الله عز وجل القائلين عند تلاوة المتشابه «رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا»