وابتداء جوابهن بكلمة التبرؤ والتعجب من زيادة عفته، ثم «قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ» بانفرادها للملك «الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ» ظهر ظهورا واضحا بينا «أَنَا» يا حضرة الملك «راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ٥١» بقوله هي راودتني اعترفت هنا اعترافا صريحا علنا، لأن اعترافها الاول في الآية ٣٢ المارة كان بحضور النسوة فقط، فلم يكن كافيا لبراءته عند زوجها والعامة قالوا ثم أمر الملك الرسول أن يخبر يوسف بذلك، فذهب اليه وبشره بالاعتراف العلني العام ببراءته بحضور الملك مما عزى اليه قال يوسف عليه السلام «ذلِكَ» عدم خروجي من السجن وامتناعي من اجابة الملك أولا وسبب تثبتي وأناتي هو لظهور براءتي عند العزيز الذي كان أحسن إلي وأكرمني مدة إقامتي عنده «لِيَعْلَمَ» علما حقيقيا «أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ» في زوجته كما لم أخنه في ماله وخدمته ولا بحضوره «وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ ٥٢» ولا يسددها ولا يسهل مكرهم ولا يرشدهم لطريق الخلاص، فلو كنت خائنا لما أنقذني من هذه الورطة ولم يوفقني للنجاة منها. وهذه الآية بالنسبة لما قبلها على حد قوله تعالى (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) من قول ملأ فرعون وقوله بعد (فَماذا تَأْمُرُونَ) من قبل فرعون كما مر في الآية ١١٠ من سورة الشعراء، وما قيل ان (ذلِكَ لِيَعْلَمَ) من قول امرأة العزيز تبعا للآية قبلها فليس بشيء كما أن من قال إن الضمير في ليعلم للملك، وفى لم أخنه له ليس بشيء أيضا، وما جرينا عليه هو الأولى وعليه أكثر المحققين، وكذلك قوله تعالى «وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي» هو من قول يوسف عليه السلام لا من قول المرأة كما قاله بعض المفسرين هذا ولما ذكر عليه السلام براءته مما عزي اليه قال على طريق هضم النفس والتواضع إلى ربه ولئلا يزكي نفسه على أتم وجه وليبين ما وفق اليه من الأمانة والعصمة التي منّ الله بها عليه قال (وَما أُبَرِّئُ) إلخ من الهم الذي أوطنها عليه لأنه عبارة عن خطرات قلبية جارية عادة في طبيعة البشر مجردة عن القصد والعزم وكذلك لا أبرىء نفسي من الميل المجرد الذي هو من طبع النفس.