وفي هذه الآية إجلال عظيم لحضرة الرسول من قبل ربه عز وجل، وتنبيه على أن الأقرب من الله يكون أشد خطرا عنده كما يكون أشد خوفا منه.
قال تعالى:(إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) الآية ٢٨ من سورة فاطر المارة، فإذا كان الله تعالى أوعد حضرة حبيبه على ما خطر يباله ولم يفعله بضعف ما أوعد به العصاة من العذاب المدخر لهم، فكيف بنا أيها الناس؟ أللهم لا حول ولا قوة إلا بك، فنسألك الهداية إلى سواء السبيل، والعصمة من خطرات نفوسنا ومن وساوس الشيطان ودسائسه ومن شرار خلقك بفضلك يا رحمن. قال تعالى «وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ» يستخفونك ويزعجونك ويخرجونك «مِنَ الْأَرْضِ» التي ولدت فيها ونشأت عليها وبعثت إليهم فيها بسبب عداوتهم ومكرهم يريد أهل مكة حين ما كان صلّى الله عليه وسلم فيها بين أظهرهم قبل أن يهاجر عنهم. وهذه حادثه مكية يذكر الله تعالى بها نبيه في المدينة بعد ما فشا أمره وعلت كلمته في أرض مكة وما حولها وكان استفزازهم ذلك «لِيُخْرِجُوكَ» قسرا «مِنْها وَإِذاً» لو فعلوا ذلك وكان خروجك قهرا «لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ» أي بعدك وعليه قوله:
أي بعدهم، والشواطب اللائي يقدّون الأديم بعد ما يخلقنه «إِلَّا قَلِيلًا» ٧٦ لبثا يسيرا جدا، إذ جرت عادة الله تعالى أن كل أمة أخرجت نبيها جبرا فإنه يهلكها استئصالا، والمعنى أنهم لو أخرجوك كما أرادوا لأهلكوا عن بكرة أبيهم، وهم أرادوا هذا وعرفوا وصمموا عليه، ولكن الله لم يرده والله الغالب على أمره.
هذا، ولما لم يقع المقدّم وهو الخروج لم يقع الثاني وهو الهلاك، إذ خرج حضرة الرسول من مكة مهاجرا بعد أن أذن الله له بالهجرة، وهذا من جملة رحمات الله بقريش إرادة استبقائها. وإن ما جاء في قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) الآية ١١ من سورة محمد صلّى الله عليه وسلم في ج ٣ لا يناقض معنى هذه الآية المفسرة، لأن غاية ما فيها الاخبار عن انتصار الله تعالى لأنبيائه السابقين من أممهم المعاندين. وقصارى ما دلت عليه الآية المفسرة هو قرب الاستفزاز منهم تسببا إلى إخراجه ولم يكن حاصلا ولا واقعا ومعنى أخرجتك في الآية المستشهد