جرير من طريقين مرسلين أن جبريل أبطأ على النبي صلى الله عليه وسلم، فجزع جزعا شديدا فقالت خديجة: إني أرى ربك قد قلاك مما يرى من جزعك، فنزلت. ومعارضة رواية الصحيحين بهذه الرواية المرسلة تسقط اعتبارها. وقد جمع الحافظ ابن حجر بينهما بأن خديجة قالت ما قالت توجعا عليه صلى الله عليه وسلم، وحمّالة الحطب قالت ما قالت شماتة به، من الوحي المحمدي ص ١٠٠ من باب فترة الوحي، وأول ما نزل بتصرف، وما ذكرناه هو المعتمد عند المحدثين في أول ما نزل من القرآن، وفي مدة الفترة وأول ما نزل بعدها، وفي فترة سورة الضحى، وقد غلط مجاهد في قوله:«ن وَالْقَلَمِ» أول ما نزل هذا، وما روي عن علي عليه السلام، إن أول سورة نزلت هي الفاتحة واعتمدها الإمام محمد عبده، فإذا صحت هذه الرواية يكون المراد منها أنها أول سورة تامة نزلت بعد بدء الوحي بالتمهيد الكوني ثم بالأمر بالتبليغ الإجمالي، وتلاها فرض الصلاة وآية المزمل، أو نزلتا في زمن واحد. وقد ذكرت آخر (العلق) المارة أن المراد بالصلاة الواردة بالآيات المكية من بدء نزول الوحي إلى نزول سورة الإسراء الآتية هي الركعتان اللّتان فرضها الله على الرسول صلى الله عليه وسلم وحده التي لم يزل يعمل بها هو ويعفي أصحابه من غير أن تفرض عليهم حتى فرضت الصلوات الخمس. قال تعالى:«وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ٣» عظمه ونزهه عن عبادة الأوثان التي انكب عليها قومك «وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ٤» عن كل مستقذر لان قومك يجرّون ثيابهم في الأرض تكبرا وخيلاء ولا يحترزون من النجاسة ٨ وطهر نفسك مما هم عليه من القبائح، وقد كشنى بالثياب عن الجسد لاشتمالها عليه، وقد جاء بمثله عنترة في قوله:
وشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرّم
أراد نفسه وجسمه، والعرب تعبّر بطهارة الثوب عن وصف صاحبه بالصدق والوفاء والعفاف. ولما كان الثوب ملازما للانسان كنّوا به عنه يقال: الكريم في ثوبه، والعفة في إزاره، كما يقال للغادر خبيث الرداء دنس الثياب، وحيث وإن كانت الطهارة مطلوبة فى الثوب والجسد فالأمر هنا يشملهما معا «وَالرُّجْزَ»