نازلا ولم تقوموا بحقه فأبشروا بالدمار. وإن في إسناد المساس إلى الشر بعد إسناد الانعام إليه تعالى إيذان بأن الخير مراد بالذات والشر ليس كذلك، وهذا هو الذي يقتضيه الكرم المطلق والرحمة الواسعة واللطف الشامل وإليه الإشارة بقوله صلّى الله عليه وسلم أللهم إن الخير بيدك والشر ليس إليك. وإن كل نعمة لا يشكرها العبد أو يستعملها في معصية المنعم فمصيرها الزوال في الدنيا والعذاب في الآخرة.
مطلب الكفران يزيل النعم وذات الإنسان تقتضي الطاعة فطرة:
قال تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) الآية ٧ من سورة إبراهيم في ج ٢، وبعد أن ذكر سبحانه حال القرآن بالنسبة للمؤمن والكافر وبيّن حال الكافر في حالتي الإنعام وضده، ذكر ما يصلح جوابا لمن يقول لم كان كذلك بقوله جل قوله «قُلْ» يا سيد الرسل لهذا السائل أو قل أيها المسئول عن ذلك «كُلٌّ» من المؤمن والكافر والمعرض والمقبل والراجي واليائس «يَعْمَلُ» عملا «عَلى» حسب «شاكِلَتِهِ» حالته وطريقته ومذهبه وطبيعته التي جبل عليها بل التي خلق إليها لما جاء في الحديث الصحيح اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فمن كان مخلوقا للشر فمهما عمل من طرق الخير فيما يبدو للناس فسيصير إلى عمل الشر ويموت عليه، لأن عمله الخير لم يكن خالصا لله تعالى مهما ادعى الإخلاص فيه، ومن كان مخلوقا للخير فمهما عمل من فنون الشر فيما يبدو للناس فسيصير إلى عمل الخير ويموت عليه، لأن عمله الشر كان في غير رغبة منه ورضى وكان يعقبه الندم والندم استغفار والاستغفار توبة (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) الآية ٢٥ من الشورى في ج ٢، حيث ختمها بقوله (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) من خير أو شر ونياتكم فيهما وما يؤول عملكم فيهما إليه، فعمل الإنسان يشاكل نفسه ويشابهها في الحسن والقبح ويناسب جوهره فيهما، فإذا كان شريفا صدرت عنه الأعمال الجميلة والأخلاق النبيلة والآداب الكاملة والأطوار الذكية والأحوال المرضية والأفكار الزكية، وإن كانت نجسة خبيثة نشأ عنه الأفعال الردية والأخلاق الفاسدة والعوائد السيئة والأمور القبيحة والأطوار الرذيلة، وهذه اللفظة مأخوذة من الشكل بفتح الشين أي المثل والنظير، يقال لست من شكلي