بما يعم شياطين الإنس والجن الذين أمرنا الله تعالى بأن نتعوذ منهم. قال تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلخ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) السورتين المارتين، وقال تعالى:(شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) الآية ١١٢ من سورة الأنعام في ج ٢، أو أنها كناية عن العوارض الغريبة، فالخلق لو لم يحصل لهم مس من الشيطان ما عصوا الله تعالى، ولبقوا على فطرتهم، لكن مسهم الشيطان فأفسد عليهم فطرتهم الأصلية، فاقتفوا أشياء منافية لهم مضادة لجوهرهم البهيّ الإلهي من الهيئات الظلمانية ونسوا أنفسهم وما جبلوا عليه:
ولولا المزعجات من الليالي ... لما ترك القطا طيب المنام
وإذا احتاجوا إلى رسل يبلغونهم آيات الله ويسنون لهم ما يذكرهم عهد ذواتهم من نحو الصلاة والصيام والزكاة وصلة الأرحام ليعودوا إلى فطرتهم الأصلية، ومقتضى ذواتهم البهية، ويعتدل مزاجهم ويتقوم اعوجاجهم، ولهذا قيل الأنبياء أطباء، وهم أعرف بالداء والدواء. ثم إن ذلك المرض الذي عرض لذواتهم والحالة المنافية التي قامت بهم لولا أن وجدوا من ذواتهم قبولا بعروضها لهم ورخصة في لحوقها بهم لم يكونا يعرضان لهم ولا يلحقانهم، فإذا كان مما تقتضيه ذواتهم أن تلحقهم أمور منافية مضادة بجواهرهم فإذا لحقتهم تلك الأمور اجتمعت فيها جهتان الملاءمة والمنافاة، أما كونها ملائمة فلكون ذواتهم اقتضتها، وأما كونها منافية فلأنها اقتضتها على أن تكون منافيه لهم، فلو لم تكن منافية لم يكن ما فرض مقتضى لها بل أمر آخر. وانظر إلى طبيعة الأرض التي تقتضى يبوسة حافظة لأي شكل كان حتى صارت ممسكة للشكل القسري المنافي لكرويتها الطبيعية ومنعت عن العود إليها، فعروض ذلك الشكل للأرضية لكونها مقسورة من وجه ومطبوعة من آخر، والإنسان عند عروض فعل هذا المنافي ملتذّ متألم، سعيد شقي متلذذ، ولكن لذته ألمه، سعيد ولكن سعادته شقاؤه، وهذا لعمرك أمر عجيب لكنه أوضح بنمط غريب، ومن تأمل وأنصف ظهر له أن لا مخلص لكثير من الشبهات في هذا الفعل إلا بالذهاب إلى القول بالاستعداد الأزلي، وأن لكل شيء أصالة في