لك به ولو رأيناك عيانا تصعد إليها لانه قد يكون صوريا بما تخيله علينا وتسحرنا به فتزيغ أعيننا عن أن نرى الحقيقة في ذلك، بل نبقى منكرين جاحدين رقيّك «حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا» من السماء معك «كِتاباً نَقْرَؤُهُ» بلغتنا، ونرى فيه ما يدلّ على نبوتك، وإذا لم يكن كذلك فلا نؤمن لك أيضا بمجرد كتاب تأتينا به، لأنك قد تموّه علينا بما ليس بشيء وتسميه كتابا، واعلم أن السماء كل ما علاك فأظلك ويطلق على كل مرتفع، قال الشاعر:
وقد يسمى سماء كل مرتفع ... وإنما الفضل حيث الشمس والقمر
وهم لا يريدون هذا وإنما يريدون السماء الحقيقية التي ذكرها لهم في سورة ق المارة في الآية ٦ وهي قوله تعالى (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) والتي أخبرهم بأنه عرج إليها ووصف لهم ما فيها كما مر أوائل هذه السورة، فيما أكرم الخلق «قُلْ» لهؤلاء الحمقى «سُبْحانَ رَبِّي» أنزهه عما لا يليق بقدسيته عن هذه المقترحات المستحيلات واستغفره عن طلب شيء منها، لأنه إذا كان على سبيل الفرض طلب تفجير الأرض بالأنهار أو تخصيص الجنة أو البيت المزخرف أو اجراء الأنهار بينها ممكنا فلا يمكن طلب إسقاط السماء قطعا متفرقة ولا مجتمعة، ولا الإتيان بالخالق، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، ولا الإتيان بالملائكة الآن، وإن كان هذا قد يقع يوم القيامة حقا لا مرية فيه بأمر الله تعالى وقدرته فقط كما جاء في الآيات المارة في سورة الفجر وفي غيرها من السور المارة والآتية، أما أنا فإني إنسان مثلكم عاجز عما يعجز عنه مثلي وما تظنون بي «هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً» أفعل ما يفعله البشر وأعجز عما يعجز عنه وإنما خصّني ربي بأن أكون «رَسُولًا» ٩٣ إليكم أبلغكم آياته فآمركم بالخير وأنها كم عن الشر، وجعلني من بينكم تعرفون حسبي ونسبي، كما خصّ الله الأنبياء قبلي واختارهم من أقوامهم، وإن ما اقترحتموه خارج عن طوق البشر والرسل منهم الإتيان به من عند أنفسهم، إلا ما شاء الله أن يظهره على يدي من المعجزات كأمثال الرسل السابقين، وإن إتيان المعجزات بيد الله تعالى إن شاء أوقعها على أيدي رسله، وإن شاء منعها. وسبب نزول هذه الآيات أن مشركي قريش استدعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم