للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطيرون بها إلى السماء فيسمعون ما يقع فيها ويعلمون ما يجب عليهم، وقد مست الحاجة لإرسال من يرشدهم «لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا» ٩٥ مثلهم من جنسهم ليميلوا إليه، لأن الجنس لا يميل إلا لجنسه وأنتم بشر فأرسلنا إليكم بشرا من جنسكم، لأن البشر أيضا لا يميل إلا لجنسه، فلا يميل إلى الملك، والملك لا يميل إلى البشر ولا يأتلف معه لذلك لم نرسل ملكا، وهذا لا ينافي بعثته صلّى الله عليه وسلم إلى الجن، لأنه متى صح فيه صلّى الله عليه وسلم المناسبة الصحيحة للاجتماع مع الملك والتلقي منه صح فيه المناسبة المصححة للاجتماع مع الجن والإلقاء إليهم، كيف وهو صلّى الله عليه وسلم نسخة الله الجامعة وآيته الكبرى الساطعة، فضلا عن أن الجنّ تشكلوا اليه عليه الصلاة والسلام بهيئة البشر كما تشكل له رئيس الملائكة السيد جبريل عليه السلام بصورة دحية الكلبي وبصورة اعرابي، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عمر رضي الله عنه حينما سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وامارات الساعة، فعلى هذا لو أنزل الله تعالى لهم ملكا وتشكل بهيئة البشر فلا يجد شيئا، لأنهم يرونه بشرا مثلهم ويقولون ما قالوا ولو جاءهم بصورته الحقيقية لما أطاقوا مقابلته، بل لصعقوا أو ماتوا لأن حضرة الرسول مع ما هو عليه من الكمال والتأييد من الله لم يطق مقابلة جبريل بصورته كما مر في الآية ١٨ من سورة والنجم المارة وفي الآية ٢٣ من سورة التكوير أيضا ومما يؤيد إرساله صلّى الله عليه وسلم إلى الجن قوله تعالى (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) الآية الأولى من سورة الفرقان المارة وما سوى الله تعالى كله عالم وخبر مسلم، أرسلت إلى الخلق كافة والجن من الخلق راجع الآية الأولى من سورة الجن المارة فما بعدها، أما محبة الملائكة له صلّى الله عليه وسلم مع انه من غير جنسهم فإنما هي بإلقاء الله تعالى في قلوبهم واعلامهم بأنه صلّى الله عليه وسلم وسيلة لهم فيما يسألونه منه جل جلاله، ولما جاء في الحديث إذا أحب الله عبدا نادى جبريل فقال له إني أحب فلانا فأحبوه، فينادي جبريل في الملائكة إن الله يحب فلانا فأحبوه ويلقي له القبول في الأرض، فيا أكرم الرسل إن لم يصدق هؤلاء المعاندين الجاحدين رسالتك فأعرض عنهم الآن و «قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً» على أنه أرسلني إليكم وخصني من بينكم برسالته، وقد اختارني من الأزل

<<  <  ج: ص:  >  >>