للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على العرش العظيم هو «اللَّهُ رَبُّكُمْ» أيها الناس سيدكم ومولاكم ومسوي أموركم «فَاعْبُدُوهُ» وحده شكرا لنعمه الظاهرة والباطنة «أَفَلا تَذَكَّرُونَ ٣» عظمته وجميل صنعه إليكم فتعتبرون وتتعظون وتنقادون لهذا الربّ الذي «إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ» لا إلى غيره ولا مصير لأحد دونه «جَمِيعاً» إنسكم وجنكم وملككم، وقد وعدكم بالبعث بعد الموت على لسان رسله «وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» منجزا لا محيد لكم عنه «إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ» يحييهم أولا كما أحيى أصلهم من العدم «ثُمَّ يُعِيدُهُ» على حالته الأولى بعد إماتته كما بدأه «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ» العدل بحيث لا ينقص من أجر أحد منهم شيئا بل يزبده من فضله وكرمه «وَالَّذِينَ كَفَرُوا» كذلك يجزيهم على أعمالهم بالعدل، فلا يزيد على ما يستحقونه شيئا ولا يعذّبهم على ما لم يفعلوا، وهؤلاء الكافرون «لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ» ماء متناء في الغليان بدل ما كانوا يتلذذون به من الأشربة المحرمة في الدنيا «وَلهم عَذابٌ أَلِيمٌ» فوق ذلك لا تطيقه أجسامهم «بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ٤» بالدنيا بالله وكتبه ورسله، وينكرون اليوم الآخر، وفي هذه الآية دلالة قاطعة على البعث بعد الموت والحشر والنشر والمعاد، وردّ صريح على منكري ذلك الإله العظيم «الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً» خصّ القمر بالنور لأنه أضعف من الضياء الذي خصّه بالشمس لقوّته وكماله، وفيه إشارة إلى أن هذا النور مستفاد من ذلك الضياء، وهذه الاستفادة حاصلة من الشمس إلى القمر، سواء كانت على سبيل الانعكاس من غير أن يصير جوهر القمر مستنيرا كما في المرآة، أو بأن يستنير نفس جوهره بصورة يعلمها الله، راجع الآية ١٢ من سورة الإسراء في ج ١.

و «قَدَّرْناهُ مَنازِلَ» يتنقل فيها بنظام بديع لا يتغير راجع الآية ٣٩ من سورة يس في ج ١ تعرف المنازل وغيرها، وإنما أعاد الضمير للقمر وحده لأن سيره في المنازل أسرع من سير الشمس، وبه يعرف انقضاء الشهور والسنين المعتبرة شرعا لابتنائها على الأهلة، وما قيل إنه يرجع إلى الشمس والقمر معا، وإنما وحده مع أنه عائد لهما للإيجاز اكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر كما في قوله تعالى (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) الآية ٦٨ من التوبة في ج ٣ بدل ترضوهما إيجازا

<<  <  ج: ص:  >  >>