وقد تمثل عند ما آلت له الخلافة بالآية الآتية الدالة على معنى قوله صلى الله عليه وسلم هذا وذلك أن ضيفا جاءه ذات يوم وأمامه قصعة يأكل منها وبجانبه ضيفان يأكلان على قصعة أخرى، فجلس معه فرأى عظاما وعصبا، فقال ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال هذا الذي ترى إنا إذا ذبحنا الجزور بعثنا بمطايب اللحم إلى آل محمد، والذي يليه للمهاجرين والأنصار، والذي يليه للضيفان، وما بقي من عظم وعصب لعمر وآل عمر، فبهت الرجل ثم قال له عمر اعلم أيها الرجل أنا أعلم بصلاء الجداء منكم، ولكن نتركه لئلا يقال لنا غدا (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) الآية ٢١ من سورة الأحقاف الآتية. قيل أن تيمور لنك لما أسر ببلد رم با يزيد قال له هل أنت آسف؟ قال وكيف لا، فقال لا تأسف فلو كانت الدنيا تساوي عند الله ذرة ما ملكها لمثلك أعور ومثلي أعرج، ثم قال له أتدري من الملك؟ قال أنت، قال لا، الملك من يشهد له الناس في اليوم والليلة على رءوس المنابر خمس مرات.
فتدبر قوله هذا، واعلم أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها. قال تعالى «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا» المعنيون بالآيات السابقة، وقد وضع الموصول فيها موضع الضمير إشعارا بالذّم لهم أي قالوا لمن يتلوها عليهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت تريد أن نؤمن بك «ائْتِ» لنا «بِقُرْآنٍ» ليس فيه عيب آلهتنا ولا ترك عبادتها «غَيْرِ هذا» الذي تتلوه علينا المملوء بما نكره المحشو بتنديد ما نعبده «أَوْ بَدِّلْهُ» بأن تجعل الآية المشتملة على سب آلهتنا آية أخرى في مدحها، ومن هؤلاء الخبثاء عبد الله بن أمية المخزومي والوليد ابن المغيرة ومكرز بن حفص وعمر بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر بن هشام، وقد قالوا هذا لحضرة الرسول على طريق التجربة والامتحان ليعلموا صدق قوله وعدمه، فأجابهم الله تعالى عن التبديل لأنه في طوق البشر بقوله «قُلْ يا محمد لهؤلاء العتاة «ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي» لأني لم آت به من جهة نفسي كي أتمكن من تبديل شيء منه، ولا ينبغي لي أن أفعل هذا «إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ» من ربي فلا أقدر أن أزيد فيه شيئا ولا أنقص البتة «إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي» بالإقدام على تبديل