في عهد آدم عليه السلام «إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً» حنفاء لله متفقين على عبادته وطاعته واستمر الأمر كذلك إلى
أن أغوى إبليس قابيل فقتل أخاه هابيل «فَاخْتَلَفُوا» بعد هذه الحادثة الأولى من نوعها لأنه أول شر وقع على وجه الأرض، فتفرقوا من أجلها، إذ أن قابيل أخذ أخته وهرب من وجه أبيه، وبقي آدم ومن معه على عبادة الله وطاعته، وكفر قابيل ومن معه، فصاروا قسمين مؤمنين وكافرين، وهذا التفسير أولى من القول بأن الناس كانوا أمة واحد متفقين على الكفر والمكر من زمن نوح عليه السلام، مستدلا بقوله تعالى (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) الآية ١٣ من سورة البقرة في ج ٣، لأن هذه الآية تنطبق على قوم نوح عليه السلام إذ بعث فيهم وكلهم كافرون، ولذلك عمهم الله بالعذاب ولم يبق على وجه الأرض منهم أحدا إلا نوحا ومن آمن به، كما فصلناه في الآية ٥٨ من الأعراف في ج ١، ولهذا البحث صلة في الآية ٢٤ من سورة هود الآتية. هذا إذا كان المراد بالناس على الإطلاق فيجوز أنهم كانوا كذلك وتفرقوا ببعثته عليه السلام، إذ خالفوا أمره واختلفوا فيما بينهم على إجابة دعوته، هذا إذا كان المراد بالناس العرب خاصة، فيكون المعنى أنهم كانوا على دين الإسلام من عهد إسماعيل عليه السلام، إذ أن أباه إبراهيم عليه السلام سمى أتباعه المسلمين كما سيأتي في الآية الأخيرة من سورة الحج في ج ٣، وبقوا مسلمين إلى أن غيرّه عمرو بن لحى، إذ سن لهم عبادة الأوثان، وهو أول من عبدها، إذ أنهم كانوا على الفطرة السليمة الصحيحة أول الخلق، ثم اختلفوا في الأديان وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه والمراد بالفطرة في الحديث فطرة الإسلام لأنه دين الفطرة دين الحق والصدق.
والتفسير الأول أولى، لأن الاختلاف وقع بعد حادثة ابني آدم عليه السلام كما ذكرناه آنفا. وفي هذه الآية تسلية لحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يخبره ربه عز وجل بأن لا مطمع لصيرورة الناس كلهم على دين واحد كما يريد لأن الله أراد ذلك كما سيأتي في الآيتين ١١٧/ ١١٨ من سورة هود الآتية، قال تعالى «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ» وهي جعله لكل أمة أجلا وقضى بسابق أزله تأخير العذاب عن