في هذا الكون الجسيم علويه وسفليه آلله أم أوثانكم؟ «فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ» أي أنهم يجيبونك اضطرارا بأن الفاعل لذلك كله هو الله «فَقُلْ» لهم إذا «أَفَلا تَتَّقُونَ ٣١» هذا الرب الكبير الفعال لهذه الأشياء وغيرها وكيف تعبدون غيره مما لا يعقل شيئا وهو عاجز عن نفع نفسه ودفع الضرّ عنها. وليعلم أنه لا يوجد نص صريح على أن الله تعالى هو في السماء أو الأرض، وأما ما جاء من أنه جل جلاله في السماء على المعنى اللائق به تعظيما لشأنه لا على ما نتصوره نحن، وأن قوله صلى الله عليه وسلم في الجارية التي أشارت إلى السماء حين قل لها أين الله؟ أعتقها فإنها مؤمنة، وإقراره حصينا حين قال له عليه الصلاة والسلام كم تعبد يا حصين؟ فقال سبعة، واحد في السماء وستة في الأرض، فقال صلى الله عليه وسلم فمن الذي أعددته لزغبتك ورهبتك؟
فقال الإله الذي في السماء. على ما يقتضيه الظاهر. ومن جملة تنزيهه تعالى نسبته للعلو، ولذلك يرفع الإنسان يديه نحو السماء في الدعاء أي إلى الخزانة المشار إليها في قوله تعالى (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) الآية ٢٢ من سورة الذاريات الآتية فراجعها، لا لكونه جل جلاله فيها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وقدمنا ما يتعلق في هذا في الآية ١٣ من سورة طه المارة في ج ١، ولهذا البحث صلة في الآية ١٨ من سورة الأنعام الآتية، قال تعالى «فَذلِكُمُ» الذي يفعل هذه الأشياء الجليلة هو «اللَّهُ رَبُّكُمُ» أيها الناس الإله «الْحَقُّ» الذي لا ريب فيه المستحق للعبادة وحده «فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ» الصريح الثابت أيها الناس «إِلَّا الضَّلالُ» الباطل، إذ لا واسطة بين الحق والباطل، وكذلك لا واسطة بين الإيمان والكفر ولا الجنة والنار، فالذي يتصف به العبد إما حقّا أو باطلا ومن أخطأ أحدهما وقع في الآخر لا محالة، لأن من وقاه الله من النار أدخله الجنة، ومن خصه بالإيمان عصمه من الكفر، وهكذا «فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ٣٢» عن الحق إلى الضلال ومن التوحيد إلى الشرك؟ سئل مالك رحمه الله عن شهادة لاعب الشطرنج والنرد، فقال أما من أدمن فما أرى شهادتهم طائلة، يقول الله تعالى (فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) فهذا كله في الضلال.
والصارف في الحقيقة هو الله تعالى، والإنكار والتعجب متوجهان إلى منشأ الصرف،