للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصوت على ما يريده مخاطبه، فإذا اجتمع فقدان العقل مع عدم السمع فقد أيس من إسماعه وإفهامه. وأعيد الضمير في هذه الآية إلى من باعتبار معناها، إذ يكون للمفرد والجمع فأعاده في الآية الأولى للمفرد باعتبار لفظها، وفي الثانية للجمع باعتبار معناها، وفي الثالثة وهي «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ» باعتبار لفظها أيضا، أي يتطلع إليك ببصره ظاهرا ليعاين أدلة صدقك، واعلام نبوتك، ولكنه لا يصدقك إذ أنتم إلى عمى بصره عمه قلبه «أَفَأَنْتَ» بعد هذا تقدر «تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ ٤٣» كلا لا تقدر على هداية عمي البصر عمه البصيرة، ولا يمكنك ذلك لئن الأعمى الذي في قلبه بصيرة قد بحس ويتفطن بالحدس لما لا يدركه البصير، وأما الأعمى الأحمق فلا يؤمل منه ذلك، لأنه جهد البلاء والعمدة على البصيرة، فمن فقدها فقد أيس من اعتباره وإبصاره، لأن من لا عقل له ولا بصيرة فهو جماد، ولا ينتفع انتفاعا كاملا بالحواس الظاهرة، إلا إذا ضم إليها الحواسّ الباطنة قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً» فلا ينقصهم مما نيطت به مصالحهم وكمالاتهم من مبادئ الإدراكات وأسباب العلوم والإرشاد إلى الحق، إذ أرسل لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ومتعهم بالعقل والسمع والبصر تفضلا منه عليهم «وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٤٤» بعدم استعمال ما منحهم الله به من الجوارح لما خلقت لها، وعده انصياعهم للأمر بالخير وتدبرهم فوائده، وركونهم إلى الشر وعدم نظرهم إلى عاقبته، وإقبالهم على المناهي رغبة فيها، وإدبارهم عن الرشد. ورغبتهم عن طرقه، وصدودهم عن الهدى، وعدم مبالاتهم بما يؤول إليه، لهذا فإن تقدير الشقاء عليهم لم يكن ظلما من الله، وحاشاه وهو القائل (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) الآية ١١ من سورة الحج في ج ٣، وإنما نسب فعل الظلم إليهم لأنه كسبهم اقترفوه برغبة منهم إليه واختيار له، ولو أوقعوا شيئا من الظلم كرها لما عوقبوا عليه. وأعلم أنه لا يجوز نسبة الظلم إلى الله تعالى بوجه من الوجوه، ولو عذب بغير ذنب على سبيل الفرض، لأن الظلم التصرف بحق الغير دون وجه شرعي، والخلق كلهم ملك الله، والمالك يتصرف بملكه كيفما شاء وأراد، والتصرف بالملك ولو على غير وجهه لا يعد ظلما، إذ لا

<<  <  ج: ص:  >  >>