أن ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالوجه المار ذكره. أما صحة معناه فلا غبار عليها، لأن أهل السنة المثبتين القدر القائلين بخلق الأفعال لله تعالى وأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأنه يحول بين المرء وقلبه كما في الآية ٢٤ من سورة الأنفال في ج ٣، فهو تعالى يحول بين الكافر والإيمان بدليل هذه الرواية، وقوله تعالى أيضا:
(وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) الآية ١٥٥ من سورة النساء في ج ٣، وقوله تعالى (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) الآية ١١١ من سورة الأنعام الآتية، وقوله تعالى (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) الآية ١٠١ من الأعراف المارة في ج ١، وهكذا فعل جل شأنه بفرعون إذ منعه عن الإيمان جزاء تركه إياه، ودس الطين في فمه من قبل جبريل عليه السلام من جنس الطبع والختم على القلب، ففعله هذا مع فرعون عليه اللعنة من هذا القبل، ولم يكن إلا بإرادة الله الملك الجليل، وغاية ما فيه أن يقال إن الله منع فرعون من الإيمان عقوبة على كفره السابق، وما قيل إنه لا يجوز لجبريل أن يمنعه من التوبة بل كان عليه أن يعينه عليها، هو قيل قد يكون سديدا إذا كان جبريل مكلفا مثلنا يجب عليه ما يجب علينا، أما إذا كان ليس كذلك وإنما يفعل ما أمره الله به وهو الذي منع فرعون من الإيمان، وإنما جبريل منفذ لأمره ليس إلا، فكيف لا يجوز له منع من منعه الله وكيف يجب عليه اعانة من لم يعنه الله، وقد أخبر عنه بأنه لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم، وقد قضت حكمته أن لا يقبل الإيمان في مثل حالة فرعون، ولما كان في أفعال الله تعالى قولان أحدهما أنها لا تعلل وأن تعليلها محال، فعلى هذا لا يرد شيء من هذا أصلا، ولم يبق إشكال في معنى الحديث، والقول الثاني أن أفعاله تبارك وتعالى لها غاية بحسب المصالح، فعلها لأجلها، وكذا أوامره ونواهيه، لها غاية محمودة لأجلها أمر بها، ونهى عنها، وعلى هذا يقال لما قال فرعون (آمَنْتُ) إلخ، وقد علم جبريل بإعلام الله إياه أنه ممن حقت عليه كلمة العذاب، وأن الوقت المقبول فيه الإيمان نفد، وأن إيمانه في غير الوقت المحدد له لا ينفعه، دسّ الطين في فيه لتعجيل ما قد قضى عليه، وسد الباب عنه سدا محكما بحيث لا يبقى للرحمة فيه منفذ، ولا يبقى من