للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه الآية تنزيه ساحة صاحب الرسالة عن شائبة غرض عائد إليه من جلب نفع ودفع ضر لذلك أمره الله أن يقول لقومه العتاة المعاندين «وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ١٠٨» للقيام بأموركم وإصلاح أحوالكم، وإنما أنا بشير لمن أطاع الله بالجنة ونذير لمن عصاه بالنار، وفي هذه الآية إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم غير مجبر لهم على الإيمان ولا بمكرههم عليه، ولا هو مكلف بقسرهم على شيء ما وإنما هو مأمور بتبليغهم أوامر الله ونواهيه فقط كما مر في الآية الأخيرة من سورة طه المارة في ج ١، وللبحث صلة في الآية ٢١ فما بعدها من سورة الغاشية الآتية، قال تعالى «وَاتَّبِعْ» يا سيد الرسل في جميع شئونك اعتقادا وعملا وتبليغا «ما يُوحى إِلَيْكَ» من ربك في هذا القرآن واعمل به وذكر قومك ليعملوا به «وَاصْبِرْ» على عدم قبولهم أوامر ربك، وعلى أذاهم لك، ومخالفتهم لأمرك، ودم على هذه الحالة «حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ» بنصرك عليهم وإعلاء كلمتك وإظهار دينك بالوقت الذي قدرناه هذا وارض بحكم الله فيما تؤمر به وتنهى عنه «وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ١٠٩» وأعدلهم وأنفذهم حكما، لأن المطلع على السراء العالم بما تخفيه الصدور من قول الخصمين يوقع حكمه على ما هو الواقع دون حاجة إلى بينة أو شهادة، فالخطأ في حكمه محال والقول بخلاف هذا ضلال، وفي هذه الآية الوعيد والتهديد بالخذلان للكافرين والوعد والبشارة للمؤمنين بالنصر بما لا يخفى على بصير. ويوجد سورة أخرى في القرآن مختومة بمثل هذه اللفظة وهي سورة والتين المارة في ج ١ فقط، وقد امتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه بالصبر على قومه حتى جزع الصبر ولم يجزع هو كما قيل:

سأصبر حتى يجزع الصبر عن صبري ... وأصبر حتى يحكم الله في أمري

وكما قيل أيضا:

سأصبر حتى يعلم الصبر أنني ... صبرت على شيء أمر من الصبر

وكما في قول الآخر:

يبيت يريني الدهر كيف انقلابه ... أبيت أريه الصبر كيف يكون

وللصبر بحث في الآيات الأخيرات من سورة النحل الآتية فراجعها. هذا والله أعلم وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>