تحتقرها وتستصغرها وتتصورها بأنهم أراذل (وكلمة تزدري لم تكرر في القرآن) حيث «لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً» رزقا في الدنيا لهوانهم عليه نزولا عند هواكم، فعسى الله أن يؤتيهم خير الدنيا والآخرة، لإيمانهم به وتصديقهم لرسوله وصبرهم على الفقر والذل اللذين تفتقدونهم بهما، فأعرضوا عنهم أيها القوم «اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ» من صدق الاعتقاد وخلوص الإيمان، وهذا جواب لقولهم آنفا ما معناه أنهم لم يتبعوك رغبة في دينك بل لكونهم فقراء لا وزن لهم عند أحد فاطردهم ليتبعك الأشراف فإنهم لا يتنازلون أن يجالسوهم ويكونوا من أتباعك معهم، وهذا مثل قول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم في الآية ٥٠/ ٥٢ من سورة الأنعام والآية ٢٨ من سورة الكهف الآتيتين، وهكذا فقد تشابهت قلوبهم كما أخبر الله عنهم في الآية ١٦٧ من سورة البقرة ج ٣ من زمن نوح إلى زمن محمد صلى الله عليه وسلم فإنك تجد محاورتهم للأنبياء على وتيرة واحدة «إِنِّي إِذاً» إذا قبلت قولكم وطردتهم «لَمِنَ الظَّالِمِينَ ٣١» لهم ولنفسي أيضا، وإني لا أرضى بالظلم فكيف أفعله، كما ليس لي أن أكذّب ظاهر إيمانهم ولا أبطله، لأن الله يعلم ما في ضمائرهم «قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا» بما أوتيت من بلاغة في القول وقوة في المحاججة وفصاحة في البرهان، وإنا لا نؤمن بك مهما أسرفت في النصح وبذلت من الرشد الذي تزعم أنه لصالحنا «فَأْتِنا بِما تَعِدُنا» به من عذاب ربك وأنزله علينا «إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٢٢» فيما تهددنا به من وعيدك، لأنا قد مللنا من تكرار قولك إنك رسول الله وإن لك ربا ينصرك علينا ويعذّبنا إن لم نؤمن بك ونتبعك «قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ» الذي كفرتم به وهو «إِنْ شاءَ» أنزله بكم عاجلا وإن شاء أخره وليس لي أن أقدم شيئا أو أؤخره خيرا كان أو شرا، لأني بشر مثلكم «وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ٣٣» الله العظيم القادر، ولا فائتين عذابه. ولا تقدرون على الهرب من قبضته «وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ» مهما بالغت فيه وأدمته «إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ» فيما أنتم عليه، ويضلكم عن هداه بما يجعله فيكم من البغي والطغيان. وفي هذه الآية دليل على