مما أنتم عليه من الكفر وآمنوا به وحده «ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ» من الشرك ودواعيه، واخضعوا لعظمته وأنيبوا إليه «يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً» تباعا المرة بعد المرة، أي ينزل عليكم ماءها، إذ تطلق عليه لأنه نازل منها بالنسبة لما نرى وقيل في هذا المعنى:
إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا
والضمير في رعيناه يعود للغيث المتسبب عن نزول المطر، لأنه هو الذي يرعى لا المطر نفسه، وإنما وعدهم بالغيث لأن بلادهم أجدبت ثلاث سنين متوالية وذهب عنها خصبها بسبب عكوفهم على الأوثان وجنوحهم عن الواحد الديان وردهم دعوة رسوله، فوعدهم إذا هم آمنوا أن يرحمهم الله وبعيد لهم أرضهم خصبة كما كانت قبل المحل «وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ» وذلك أن الله تعالى غضب عليهم فأعقم نساءهم كما أمحل أرضهم، فوعدهم نبيهم بأنهم إذا آمنوا يعيد أرحام نسائهم إلى النتاج كما كانت عليه قبل أيضا، فيزداد عددهم وتقوى شكيتهم فتزداد قوتهم في المال والولد والرزق «وَلا تَتَوَلَّوْا» عني وتعرضوا عن نصحي فتكونوا قوما «مُجْرِمِينَ ٥٢» متلبسين الإثم مصدر أجرم إذا أذنب وجنى ويأتي على فلة من جرم وعليه قوله:
طريد عشيرة ورهين ذنب ... بما جرمت يدي وجنى لساني
«قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ» واضحة وبرهان ناصع وحجة ظاهرة ودليل قاطع على صحة قولك «وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ» المجرد عن المعجزة وتقول العرب حتى الآن (جئتني بإثمك) أي بلا شيء معك غير الكلام المجرد، وإذا كنت كذلك فلا نتبعك «وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ٥٣» فيما تقول أو تأتي به «إِنْ نَقُولُ» أي ما نقول «إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ» بجنون لأنك تسبّها فخبلتك انتقاما لكراهتها ففسد عقلك «قالَ» ألكم آلهة تفعل شيئا معاذ الله «إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ» على ما أقوله لكم «وَاشْهَدُوا» أنتم علي بأني أحقر آلهتكم وأجهلكم بعبادتها و «أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ٥٤» شيئا «مِنْ دُونِهِ» أي الإله الواحد الذي لا شريك له «فَكِيدُونِي جَمِيعاً»