ومن العذاب الأخروي المعد لهم الذي لا يقاس بعذاب الدنيا، لأنه بالنسبة لعذاب الآخرة قليل من كثير «ذلِكَ» اليوم الذي يكون فيه عذاب الآخرة «يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ» لأجل الحساب أولهم وآخرهم برهم وفاجرهم «وَذلِكَ» اليوم العظيم «يَوْمٌ مَشْهُودٌ ١٠٤ فيه أنواع العذاب مما لا تطيقه الصنم الرّواسي ومن أنواع النعيم ما تبتهج به النفوس وكل منهما مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والمعنى كثر شاهدو ذلك اليوم فحذف الجار وصار المجرور مفصولا على التوسع في الجار والمجرور ووصل الفعل إلى الضمير إجراء له مجرى المفعول به لأن الضمير لا يجوز نصبة على الظرفية والجار لا يعمل بعد حذفه فيكون من باب الحذف ولإبصال وهو كثير في كلام العرب ويكون في الاسم كمشترك وفي الفعل كقوله:
ويوم شهدناه سليما وعامرا ... قليل سوى طعن الدراك نوافله
وفي رواية النهال بدل الدراك أي مشترك فيه وشهدنا فيه، والمعنى أن الخلائق كلهم يشاهدون ذلك الموقف المهول ليس أهل الأرضين فقط بل أهل السموات جميعهم أيضا «وَما نُؤَخِّرُهُ» أي ذلك اليوم الذي يجمع فيه الخلق كلهم «إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ١٠٥ سنبينه وشهوره وأيامه ولحظاته كما هو في علمنا لا يطلع عليه أحد «يَوْمَ يَأْتِ» أجل ذلك اليوم بانتهاء الأمد المضروب له عند الله الذي لا يتخطاه.
مطلب في ضمير يأت والجمع بين الآيات المتعارضة ومعنى الاستثناء في أهل الجنة والنار:
وقد أعدنا ضمير يأت إلى الأجل خلافا لبعض المفسرين، وقد منع بعضهم عوده إلى اليوم محتجا بأن تعرف اليوم بالإتيان يأبى تعرف الإتيان به، لأن إتيان اليوم لا ينفك عن يوم الإتيان، وأعاده للجزاء الذي يقع فيه وبعضهم أعاده لله تعالى. وليعلم أن منع عوده لليوم ممنوع لأن كل زمان له شأن يعتبر تجدده كالعيد وعاشوراء والنيروز والساعة مثال يجري مجرى الزمان وإن كان في نفسه زمانا فباعتبار تغير الجهتين صحت الإضافة والإسناد كما يصح أن يقال يوم تقوم الساعة ويوم يأتي العيد والعيد في يوم كذا فالأولى زمان وضميره أعني فاعل الفعل