ولا شك أن الرضا بالكفر كفر، والمحبة للشيء إلحاق به. قال تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) الآية ٣٥ من التوبة في ج ٣، قال الحسن: جعل الله الدّين بين لامين (ولا تطغوا ولا تركنوا) . وقال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك، لأنهم يداهنونهم ويسكنون عن مظالمهم. وقال الأوزاعي ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا. وقال صلى الله عليه وسلم: من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه. وسئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء، فقال لا، فقيل له إنه يموت، فقال دعه يموت. أي إن كان انقضاء أجله معلق على عدم إعطائه هذه الشربة فدعه يموت وإلا فلا يموت وله شيء في الدنيا حتى نسمة الهواء إلا يستوفيها، فقد جعله رحمه الله أدنى حالا من أدنى حيوان، إذ النصوص الشرعية تقضي على من عنده ماء واحتاج للوضوء به وعنده كلب ظمآن بأن يسقي ما عنده من الماء ذلك الكلب ويتيمم بالتراب، إذ في كل كبد حراء أجر، وذلك اجتهاد من سفيان رضي الله عنه، وهو أن بقاء الحيوان لا ضرر فيه على أحد، وأن بقاء الظالم فيه ضرر، ولهذا رجح الحيوان عليه.
وروي عن الموفق أبي أحمد بن طلحة العباسي، أنه صلى خلف الإمام فلما قرأ هذه الآية غشي عليه، فلما أفاق قيل له ما بالك؟ فقال هذا فيمن ركن إلى من ظلم فكيف بالظالم نفسه! لذلك ينبغي هجرهم وعدم التزيي بزيهم، وعدم زيارتهم، لما فيها من تعظيم، وهو حرام، وينبغي لمن لا يخاف من شرهم أن يهبنهم ولا يجالسهم إلا لمعذرة شرعية، ولقضاء مصلحة من لا ناصر له. هذا، واعلم أن خطاب الله تعالى حضرة رسوله بهذين النهيين بعد الأمر بالاستقامة للتثبت عليها والتأكيد على ملازمتها لأنه من مقتضاها. والحث على الدوام والثبات عليها من واجبات المسلمين لبعضهم وعلى بعضهم، وانه يجب على كل فرد أن يتحلى بها في بيعه وشرائه، وأكله وشربه، ولبسه ومحبته، ومع أصحابه، وسائر معاملاته مع ربه وأهله والناس أجمعين، فإن الدين المعاملة أي حسنها وسلامتها من الشوائب، لأن المراد من جملتها عماد الدين حسن المعاملة، كما أن الدين النصيحة لله ولرسوله والناس أجمعين، لأن المعاملة والنصيحة جزء عظيم من أمور الدين لا معظمه، مثل الحج عرفة،