للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَلَمُوا)

الآية ١٦٥ من الأعراف في ج ١ «وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ» من النعم وترفهوا فيه من الشهوات وحب الرياسة، ورفضوا الأمر بالمعروف ونبذوا النهي عن المنكر، وأعرضوا عن حق الله فجعلوه ظهريا. والترف التوسع في النعمة، وقد يتعدى به إلى ما لا يحل، قال تعالى (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها)

الآية ١٦ من الإسراء في ج ١ «وَكانُوا مُجْرِمِينَ ١١٧» بعملهم ذلك فحكم الله عليهم بالعذاب لارتكابهم الجرائم وأعظمهم الكفر. قال تعالى «وَما كانَ رَبُّكَ» يا سيد الرسل «لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ» منه والتنوين للتفخيم والإيذان بأن إهلاك المصلحين ظلم عظيم ويراد منه تنزيه الله تعالى عن ذلك على أبلغ وجه، وإلا فلا ظلم منه أصلا فيما يفعله بعباده، كائنا ما كان لما علم مما مر من قاعدة أهل السنة والجماعة الملمع إليها في الآية ٩٢ من سورة يونس المارة وفي مواضع كثيرة في الجزء الأول.

مطلب لا يجوز نسبة الظلم إلى الله وأن الأمر غير الإرادة:

واعلم أنه لا يجوز نسبة الظلم إلى الله تعالى بوجه من الوجوه، لأن ذلك محال، قال صاحب الزبد:

وله أن يؤلم الأطفالا ... ووصفه بالظالم استحالا

لأن الكل ملكه ولا يعد المتصرف بملكه ظالما كيفما كان تصرفه «وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ١١٨» في أعمالهم ولكن يهلكهم لكفرهم وركوبهم المعاصي والإفساد فيها، وقال بعضهم إن الظلم هنا يراد به الشرك، وعليه يكون المعنى أنه لا يهلك أهل القرى بسبب الشرك الذي هو أعظم مناوأة للوحدانية إذا كانوا مصلحين في معاملتهم أنفسهم، وغيرهم، ويجرون الحقوق لأهلها، ويتحاشون مضرة أنفسهم ومضرة الناس، والواو في صدر الجملة للحال. واعلم أن المراد بالإهلاك على الوجهين عذاب الاستئصال في الدنيا، أما عذاب الآخرة فلا مناص منه، ومن هنا قال بعض الفقهاء إن حقوق الله مبنيّة على المسامحة إذ قد يشملها عفوه الضافي وكرمه الوافي، وحقوق العباد مبنية على المشاححة أي التضييق والتشديد. وعليه جاء المثل:

<<  <  ج: ص:  >  >>