للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به نفسه البتة، وحاشا أن تتوطن نفس السيد يوسف على مثل ذلك الهم، وأنى لها ذلك وهي مقدسة في جسد طاهر شريف عصمه الله تعالى من كل شائبة. ومن هنا تعلم سخافة قول من قال إن الشيطان جرى بينهما حتى أخذ بجيده وجيدها وجمع بينهما، وأنى للشيطان من مقاربة من تكفل الله بعصمته بقوله (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) الآية ٤٣ من سورة الحجر الآتية، وقال تعالى حكاية عن إبليس (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) الآية ٤١ منها أيضا، وشناعة قول القائل إنه عليه السلام وحاشاه جلس منها مجلس الخائن، وقباحة قول الآخر بأنه حل سراويله وصار يعالج ثيابه، كأن هذين الخبيثين كانا ثالثهما والشيطان حاضرين معهما، قاتلهم الله، وكذب من قال أن البرهان المذكور في الآية هو أنه لما أراد مقاربتها رأى كفا مكتوبا عليه (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ) الآية ١٠ فما بعدها من سورة الانفطار الآتية التي كانت في علم الله الأزلي الذي لم يطلع عليه أحد غيره، ولم يعلم بها جبريل مع قربه من ربه، لأنه لا يعلم ما في القرآن، وحتى القرآن لا يعلم ما هو إلا بعد نزوله ووضعه في بيت العزة، فمن أين يا ترى رأوا ذلك الكف فإن كان كما يقول فهو كاذب، وإن كان غيره فلا صحة له. قال فلما رأى ذلك ولى هاربا ثم عاد فرأى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا) الآية ٣٢ من الإسراء المارة في ج ١، قال فلم ينجع به، ثم رأى الآية ٢٨٤ من سورة البقرة في ج ٣ وهي (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) على ذلك الكف أيضا، ثم انفرج سقف البيت فرأى يعقوب عاضّا على إصبعه يقول له أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء، وأن جبريل ضربه بصدر الذي فخرجت شهوته من أنامله، وأقوال أخر يأبى القلم كتابتها ويندى الجبين من ذكرها، ويستحي الجاهل من سماعها فضلا عن قبولها، وباليته استشهد بشيء مما نزل على إبراهيم فمن قبله من الأنبياء، لأن هذه الآيات بلفظها نزلت في القرآن العظيم بعد يوسف بقرون كثيرة، واختلاق القائل أقاله الله من رحمته بأنه حل سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهي مستلقية وأنه سمع صوتا يقول إياك وإياها مرتين، وصوتا ثالثا اعرض عنها، فلم ينجع به، فهذه كلها أقوال واهية باطلة منكرة لا نصيب لها من الصحة،

<<  <  ج: ص:  >  >>