من سورة والنجم في ج ١، ومما يؤذن في براءته قوله جل قوله «وَاسْتَبَقَا الْبابَ» هو هربا منها وخلاصا مما تريده، وهي لحاقا به وطلبا له لئلا يفلت من يدها وتفلس مما أرادته عليه، فأدركته فأمسكت قميصه من الخلف وجذبته بشدة لئلا يخرج من الباب وهو جبذ نفسه إلى الأمام ليخرج منه، فلو كان هناك بعض الهم لما وقع منه هذا «وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ» بسبب تلك المجاذبة القوية لأن كلّا منهما بذل غاية قوته فيها، فاجتماع القوتين سبب القدّ، إذ لو تراخى أحدهما لما وقع، وهناك في هذه الحالة صادقا «وَأَلْفَيا سَيِّدَها» أي زوجها لأن العادة في ذلك الزمن تدعو الزوجة زوجها بسيدها، وأهل دمشق الأول كانوا كذلك، وحتى الآن لهم بقية تسمي الزوج سيدا، ولم يقل تعالى سيدهما لأن يوسف عليه السلام لم يكن مملوكا حقيقة للعزيز، لأنه حرّ لا يملك فضلا عن أنه نبي كريم «لَدَى الْبابِ» رأياه مقبلا نحوه يباشر فتحه ليدخل، وهذه صدقة لم تتوقعها زليخا وإنها كما غفلت عن تسكير الأبواب على يوسف بالغال غفلت عن إغلاق باب الدار، فهابت زوجها وخافت التهمة، واحتالت لتبرىء ساحتها عنده، وسبقت يوسف بالكلام «قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً» تريد زنى، ثم أنها لشدة حبها بيوسف خافت عليه أن يقتله زوجها لهذه
التهمة وتحرم مما هي طامعة فيه منه ومؤملة صدوره ولو بعد حين، فبادرت زوجها قبل أن يتكلم وقالت ليس جزاؤه القتل إذ لم يقع منه فعل ولا جزاء له على المراودة «إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ ٢٥» بأن يضرب ضربا مبرّحا ولم تذكر اسم يوسف بذلك، بل قصدت العموم أي كل من أراد ذلك بأهلك حقه أن يفعل به هكذا، لأنه أبلغ فيما قصدت من تخويفه طعما في أن يوافقها على ما تريده منه ولم تقدر أن تستخدم كلامها بأكثر من ذلك لحراجة الموقف، وإلا فهي لا تريد أن تصم يوسف بشيء أصلا لأنها لم تقطع أملها منه «قال يوسف عليه السلام مدافعا عن نفسه لأنها وصمته أولا، ولو سكتت لما كشف أمرها، ولكنها لما قالت ما قالت ولطخت عرضه بمواجهة سيدها وهو بريء فاضطر إلى إزالة التهمة عنه ولم يثنه الخوف فخاطب سيدها بما ذكر الله عنه قال «هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي»