مجنونا كما يقولون ولم يؤثر ذلك فيهم لهذا قال تعالى (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الآية ٤٦ من سورة الحج في ج ٣ وقال جل قوله (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) من الآية ١١٥ من الأعراف الآتية، وهذا قسم آخر على تصديق ما اخبر به محمد ورقه بن نوفل الذي مر ذكره في مطلب الوحي في المقدمة بانه أي جبريل حقيقة وتلقى منه أوائل سورة العلق المارة بقوله «وَلَقَدْ رَآهُ» وعزتي وجلالي لقد رأى محمد جبريل على صورته الحقيقية «بِالْأُفُقِ» الشرقي على القول الصحيح وما قيل بالغربي ليس بشيء وهو قوله بالحديث المار في المقدمة في بحث نزول الوحي انه جالس على كرسي بين السماء والأرض «الْمُبِينِ ٢٣» الظاهر البين الذي لا خفاء عليه روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس قال رسول الله لجبريل إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها بالسماء، فقال لن تقوى على ذلك، قال بلى ان شاء الله، قال فأين تشاء ان اتخيل لك؟
قال بالأبطح، قال لا يسعني، قال فبمنى، قال لا تسعني، قال بعرفات، قال لا تسعني، قال بحراء، قال ان يسعني، فواعده، فخرج النبي صلّى الله عليه وسلم في ذلك الوقت فاذا هو بجبريل قد أقبل من جبال عرفات بخشخشة وكلكلة قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض فلما رآه صلّى الله عليه وسلم خر مغشيا عليه فتحول جبريل عن صورته وضمه الى صدره وقال يا محمد لا تخف فكيف لو رأيت اسرافيل ورأسه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة وان العرش لعلى كاهله، وانه ليتضائل أحيانا من مخافة الله جل جلاله وسما شأنه حتى يصير كأنه حصو (حيوان صغير كالعصفور) حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته وهذه الرؤية التي وقعت ليلة الاسراء غير التي اخبر الله عنها في هذه السورة بل التي ذكرها في بحث نزول الوحي وانما أتى بها هنا تأييدا لرؤيته الأولى التي أتت عليه من غير طلب منه ورجع يرجف بها فؤاده من شدة ما لحقه من الخوف كما تقدم مفصلا قال تعالى «وَما هُوَ» اي رسولكم محمد «عَلَى الْغَيْبِ» مما يخبر به من ت (٩)