القول بالطبائع، وبينا أن المحدث لا يفعل شيئا فيبطل ما قالوه، على أن هذا المنبعث من العين، إما جوهر أو عرض، فباطل أن يكون عرضا، لأنه لا يقبل الانتقال، وباطل أن يكون جوهرا لأن الجواهر متجانسة، فليس لبعضها بأن يكون مفسدا لبعض بأولى من عكسه، فبطل ما قالوه، لكن من تخيل الإسلام منهم قال لا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرثية من عين العاين فتتصل بالمعين فتتخلل مسام جسمه فيخلق الله تعالى الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السموم، عادة أجراها الله تعالى، وليست ضرورية، ولا طبيعية الجاء الفعل إليها، ولكون العين حقا شرعت الرّقيا من أجلها، لأنها من جملة الأسباب الدافعة لها، فينبغي لمن عرف نفسه أنه ذو عين أن لا ينظر إلى الأشياء نظر إعجاب، وأن يذكر الله تعالى عند رؤية ما يستحسنه، وعلى السلطان أن يمنع من عرف ذلك منه منى مخالطة الناس، وقالت المالكية: لا فرق بين العاين والساحر، أي أنهما يقتلان إذا قتلا، ويحبسان إذا خيف وقوع ضرر منهما. هذا وينبغي لكل أحد أن يقول كل يوم ما شاء الله لا قوة إلا بالله، حصّنت نفسي بالحي القيوم الذي لا يموت، ودفعت عنها السوء بألف لا حول ولا قوة إلا بالله. وما قيل إن من له نفس شريفة لا تؤثر عينه مدفوع بما رواه القاضي أن نبيّا استكثر قومه فمات منهم في ليلة واحدة مائة ألف، فشكا ذلك إلى الله فقال له سبحانه أنت استكثرتهم فعنتهم، هلا حصّنتهم إذا استكثرتهم، فقال يا رب كيف احصّنهم؟
قال تقول حصنتكم بالحي القيوم إلخ. ومن قال إن يعقوب عليه السلام خاف عليهم الاغتيال أو لئلا يفطن عليهم أعداؤهم فيهلكونهم أو يصل بنيامين قبلهم فيتصل بأخيه ينفيه قوله تعالى «وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ» لأن القدر كائن لا محالة لا قدرة لي على دفعه عنكم «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ» وحده، إذ هو تفويض منه عليه السلام في أموره كلها إلى ربه عز وجل دون سواه، ومن جملتها ما خاف عليهم من العين، ولم يخطر بباله اتصال بنيامين بأخيه لأنه لو علم ذلك لما امتنع أولا من إرسال بنيامين معهم، ولما أخفى على أولاده كونه يوسف فيما بالغوا بإكرامه لهم، ولما وقع منهم هذا التفويض الذي ينم عن الأسف