قرأ أهل الكوفة وعاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف، أي ظنت أممهم كذبهم فيما أخبروهم به من نصر الله إياهم عليهم وإهلاكهم. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالتشديد، أي أن الرسل أيسوا من إيمانهم وأيقنوا أن أممهم كذبوهم تكذيبا لا يرجى بعده إيمانهم واستبطئوا النصر عليهم. والقراءتان على البناء للمفعول تدبر هذا، واعلم أن من رجع الظن إلى الأنبياء وأراد به ترجيح أحد الجانبين لا ما يخطر بالبال ويهمس بالقلب في شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه الطبيعة البشرية، فقد أخطأ، لأنه لا يجوز على أحد من المسلمين، فكيف يجوز على أعرف الناس بالله وأنه متعال عن خلف الميعاد؟ ويبطل هذا الزعم ما رواه البخاري عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن هذه الآية، قالت بل كذبهم قومهم، فقلت والله لقد استيقنوا بذلك، فقلت لعلهما قد كذبوا أي بالتخفيف، فقالت معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت فما هذه الآية؟ قالت هم اتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوا فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنوا أن اتباعهم كذبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك. وقيل أن هذا تكذيب لم يحصل من أتباعهم المؤمنين لأنه لو حصل لكان نوع كفر ولكن الرسل ظنت بهم ذلك لبطء النصر. وفي رواية عبد الله بن عبد الله بن أبي مليكة قال قال ابن عباس رضي الله عنهما ذهب لها هنالك وتلا (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) الآية ٢١٤ من سورة البقرة في ج ٣، قال تلقيت عروة ابن الزبير وذكرت له ذلك، فقال قالت عائشة معاذ الله والله ما وعد الله رسوله في شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون معهم من قومهم من يكذبوهم، فكانت تقرأها، وظنوا أنهم قد كذبوا، بالتشديد مثفلة، أما ما نقله البعض عن ابن عباس من أنه قال وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله به من النصر، قال وكانوا بشرا وتلا قوله تعالى (وَزُلْزِلُوا) الآية المارة من البقرة، لا يصح إلا إذا أراد بالظن ما يخطر بالبال وكما ذكرنا آنفا، لأن الأنبياء منزهون عن الظن بربهم